Page 144 - m
P. 144

‫العـدد ‪58‬‬        ‫‪142‬‬

                                                   ‫أكتوبر ‪٢٠٢3‬‬

 ‫دون ملل في خلق قيود تسيطر بها على الكثير من‬         ‫تعلن سناء مصطفى عن تحولات الرؤية الأنثوية‬
                      ‫التجارب التي تكتبها امرأة‪.‬‬       ‫من خلال العتبات الأولى للديوان؛ ففي العنوان‬

 ‫تبرز الرؤية الأنثوية في الديوان بد ًءا من صفحاته‬  ‫اختارت الشاعرة تحديد زمن الفعل «أفعل» وربطه‬
‫الأولى؛ حيث تحدد بعض قصائده أهم معالم نظرة‬              ‫بالحياة الآنية باستخدام ظرف الزمان «الآن»‬
 ‫المجتمع للمرأة‪ ،‬لكن هذا الصوت الأنثوي لم يتخ َّل‬
                                                    ‫وجعله تاليًا للفعل‪ ،‬وكأنها من اللحظة الأولى تنبئ‬
   ‫عن حقه في حياة تقوم على حرية الاختيار‪ ،‬ففي‬        ‫المتلقي بهذا التحول في فعلها‪ ،‬ووضع ح ٍّد فاصل‬
 ‫حديث «الذات الشاعرة» عن عشق الموت لها تعبير‬
                                                        ‫بين الفعل الماضي الذي لم يعد يشغلها‪ ،‬وفعل‬
    ‫عما تلقاه تلك الذات إذا ما أعلنت عن رغبتها في‬     ‫الحاضر الذي ربما ينتج عن رؤية جديدة للعالم‬
                         ‫الحياة‪ ،‬فتقول الشاعرة‪:‬‬
                                                                                       ‫وما يحويه‪.‬‬
                     ‫«لتنجب في الصباح قصيد ًة‬            ‫وإذا ما نظرنا إلى العتبة التالية للعنوان وهي‬
                      ‫مكتملة الأنوثة‪..‬‬             ‫«الإهداء» فسنجد انفصا ًل واض ًحا بين الأنا والآخر‬
             ‫قصيد ًة أبوها الشع ُر‬                      ‫يتبين من ثنائية «الحقيقة‪ /‬الخديعة»‪ ،‬لتجعل‬
                    ‫وأمها امرأ ٌة‬                   ‫الشاعرة الحقيقة هي «الأنا»‪ ،‬في مقابل «الخديعة»‬
   ‫أخرجتها رغبتها في الحياة من‬
                                                             ‫وهي الـ»أنتم»‪ .‬مما يشير إلى أن الرؤية‬
                           ‫الملة‬                                ‫التي ينبني عليها الديوان رؤية تغاير‬
                      ‫وقذفت بها‬                                     ‫السائد والمتعارف عليه بل رؤية‬
  ‫خارج حصون الآمنين»‪( .‬تما ًما‬                                       ‫تعادي هذه الخديعة التي عليها‬
         ‫كما أفعل الآن‪ ،‬ص‪)8‬‬                                               ‫الآخر لتبرز الحقيقة التي‬
     ‫تمثل الذات بع ًدا مه ًّما عند‬                                                     ‫تمثلها الأنا‪.‬‬
     ‫شعراء قصيدة النثر‪ ،‬فمع‬
    ‫الابتعاد عن القضايا الكبرى‪،‬‬                                 ‫(‪)2‬‬
 ‫حلت الذات محل هذه القضايا‪ ،‬وأصبح‬
‫الانشغال بها من أهم ما يحدد رؤيا العالم‬                                 ‫«سيكون على امرأ ٍة‬
  ‫عند الكثير من شعرائها‪ .‬وفي هذا الإطار‬                                      ‫تعشق الشعر‬
‫الذي يجمع بين الذات والعالم يوضح عبد‬
  ‫العزيز موافي ماهية هذه العلاقة بقوله‪:‬‬                                    ‫ويعشقها الموت‬
    ‫«العلاقة بين الذات والعالم هي علاقة‬            ‫أن تختبئ‪( »..‬تما ًما كما أفعل الآن‪ ،‬ص‪)7‬‬
 ‫وعي الأول بالثاني‪ ،‬وهذا الوعي يتوقف‬                ‫هكذا تبدأ سناء مصطفى قصيدتها الأولى‬
   ‫على طبيعة مكونات تلك الذات‪ :‬ثقافية‪،‬‬             ‫في الديوان‪ ،‬وقد تشكلت القصيدة في ضوء‬
 ‫نفسية‪ ،‬معرفية‪ ..‬إلخ‪ .‬ولأن تلك العوامل‬
 ‫متغيرة عبر الأفراد وعبر الزمن‪ ،‬فيمكن‬                ‫ثنائية «عشقها للشعر» في مقابل «عشق‬
    ‫بالتالي أن نقرر أن العلاقة بين الذات‬               ‫الموت لها»‪ ،‬وبدت المرأة الشاعرة التي‬
   ‫والعالم تتغير من شخص إلى آخر‪ ،‬بل‬                   ‫تبحث عن الحياة عبر كتابة قصيدة ما‬
   ‫وتتغير داخل الشخص نفسه من وقت‬
  ‫إلى آخر‪ .‬ولأن مجموع الأفراد في عصر‬                 ‫مهددة بتلصص الموت عليها‪ ،‬وهو الذي‬
  ‫ما يشكل ذا ًتا جمعية داخل هذا العصر‪،‬‬             ‫لا يقبل شري ًكا في امتلاكها‪ ،‬فلم تجد مف ًّرا‬
    ‫فإنه من الطبيعي أن يصبح وعي تلك‬
   ‫الذات الجمعية بالعالم‪ ،‬مفار ًقا‬                    ‫من الموت إلا بالاختباء‪ .‬وفي رأيي يمكن‬
‫لكل مظاهر الوعي السابق عليها‪.‬‬                         ‫أن يكون الموت هنا مجرد مثال على كل‬
                                                   ‫ُمع ِّوق يمكن أن يسعى للقضاء على تجربة‬

                                                        ‫المرأة الشاعرة‪ ،‬فلم يكن الموت وحده‬
                                                              ‫هو المانع للحرية الشعرية عند‬
                                                             ‫أي امرأة‪ ،‬بل أبدعت المجتمعات‬
   139   140   141   142   143   144   145   146   147   148   149