Page 146 - m
P. 146

‫العـدد ‪58‬‬        ‫‪144‬‬

                                                      ‫أكتوبر ‪٢٠٢3‬‬

                                    ‫وحنجرتك؟!‬                                     ‫وجو ًها مختلفة‬
                       ‫أخبرته أنها حنجرة شاعر‬                                   ‫ويلقونك في المساء‬
             ‫خانتني الحروف جميعها حين أجاب‪:‬‬           ‫بوجوههم التي تعرفها»‪( .‬تما ًما كما أفعل الآن‪،‬‬
 ‫لدينا من الحنجرات ما يكفي للاحتفاء بقصائدكم‪..‬‬
    ‫لماذا لا يمنحنا الشعراء إنسانيتهم؟» (تما ًما كما‬                                     ‫ص‪)22‬‬

                             ‫أفعل الآن‪ ،‬ص‪)52‬‬                       ‫(‪)3‬‬

                 ‫(‪)4‬‬                                       ‫مثَّل «التهميش» بع ًدا مه ًّما عند شعراء قصيدة‬
                                                       ‫النثر؛ حيث عبر الكثير منهم عن المهمش في عالمهم‪،‬‬
    ‫إن المتأمل لقصائد الديوان يستطيع أن يستنبط‬
‫الكثير من معالم الرؤية الأنثوية لدى الشاعرة‪ ،‬ففي‬         ‫سواء كان هذا المهمش شخ ًصا أم شيئًا أم فكرة‪،‬‬
‫بعض الأحيان تظهر الرؤى خلف ستار يتشكل من‬                  ‫ولم يكتفوا بهذا فحسب‪ ،‬بل راح بعضهم يجعل‬
                                                       ‫محور قصيدته «ذاته المهمشة»‪ ،‬ومن هذا ما فعلته‬
  ‫الاستعارات والمجازات‪ .‬فبالرغم من عدم التطرق‬              ‫شاعرتنا في هذا الديوان‪ ،‬فقد توقفت في بعض‬
‫الواضح للحديث عن تجربة الأمومة وما يتولد عنها‬          ‫مواضعه عند الذات الشاعرة المهمشة‪ ،‬وركزت على‬
                                                       ‫الكشف عن وضع الشعر ‪-‬على وجه التحديد‪ -‬وما‬
    ‫من تغيرات تسهم جميعها في الكشف عن رؤية‬              ‫ارتبط به من تهميش‪ ،‬خاصة إذا ما كان ناب ًعا من‬
‫أنثوية تتناسب مع هذه التجربة‪ ،‬فإنها قد استعارت‬        ‫ذات تتمرد على كل تقليد كشعراء وشاعرات قصيدة‬

 ‫في قصيدتها رقم (‪ )٥‬كتاباتها لتكون بناتها‪ ،‬ومن‬                                   ‫النثر‪ .‬تقول الشاعرة‪:‬‬
 ‫خلال هذه الاستعارة تتضح بعض الرؤى الأنثوية‬                                         ‫«راهنت على الشعر‬

  ‫الخاصة بتربية البنات‪ ،‬والتي جاءت في القصيدة‬                                 ‫وقلت إنه حصاني الرابح‬
              ‫تحمل تواز ًنا بين الحرية والاعتدال‪:‬‬                             ‫وأنا الآن أقف في السوق‬
                                ‫«قصائدي بناتي‬
                    ‫عكفت أرضعهن حليب خيالي‬                                           ‫بـ قفة على رأسي‬
                          ‫حتى كبرن في حضني‪.‬‬                       ‫تتزاحم داخلها قصائدي ‪-‬بنات قلبي‪-‬‬
                    ‫لم أسمح لهن بارتياد المقاهي‬
               ‫ولم أح ِك لهن عن الشباب العابثين‬                          ‫أدلل عليها وأعرضها على المارة‬
                        ‫ولا الجارات المتلصصات‬           ‫مبتلة بملح عيني» (تما ًما كما أفعل الآن‪ ،‬ص‪)27‬‬

                                                           ‫لم تستسلم الذات الشاعرة في هذا الديوان ولم‬
                                                            ‫ترضخ أمام تهميش المجتمع‪ ،‬حيث ظلت الأنا‬

                                                                 ‫تشعر بقدرها‪ ،‬ويكفيها أن تشعر بقيمة‬
                                                                 ‫ذاتها مهما كانت نظرة العالم لها‪ ،‬ولكن‬
                                                                  ‫دون أن تعود إلى ما عهدناه في الشعر‬
                                                                ‫العربي من وصف الشاعر بأنه نبي‪ ،‬فقد‬
                                                                ‫حافظ شعراء قصيدة النثر على كينونتهم‬
                                                                ‫الإنسانية وتم َّس ُكوا بفوضاهم التي تأبى‬
                                                               ‫الانسياق خلف قائد حتى وإن كان منتميًا‬
                                                               ‫لهم‪ .‬ويظهر هذا الصوت المعتز بشاعريته‬

                                                                       ‫وإنسانيته م ًعا في قول الشاعرة‪:‬‬
                                                                ‫«هذا الصباح قررت أن أتبرع بحنجرتي‬

                                                                                    ‫لأول عابر سبيل‪..‬‬
                                                                         ‫رمقني بنظرة مستنكرة‪ :‬ما لي‬
   141   142   143   144   145   146   147   148   149   150   151