Page 145 - m
P. 145

‫نون النسوة ‪1 4 3‬‬                                    ‫وبالتالي‪ ،‬يصبح لكل جيل منظوره الخاص في رؤيته‬
                                                                                          ‫للعالم»(‪.)2‬‬
       ‫يا أخت القلب الذي كلما قذفوا به إلى الجدار‬
           ‫انكمش»‪( .‬تما ًما كما أفعل الآن‪ ،‬ص‪)14‬‬      ‫وقد سارت سناء في الطريق نفسه لتعبر عن ذاتها‬
                                                        ‫بصوتها المتفرد الذي لا يبالي بالصوت الجمعي‬
   ‫لم يكن لتماهي الذات مع الأشياء شكل واحد في‬
     ‫الديوان‪ ،‬فهو لم ينحصر في ممارسة الحب مع‬        ‫الذي لا يمل من معاداة أي تمرد عليه؛ حيث تعددت‬
    ‫الآخر‪ ،‬بل استطاعت الشاعرة أن تجعل من هذا‬         ‫أبعاد الذات الأنثوية في هذا الديوان‪ ،‬فظهرت خلال‬
   ‫التماهي معاد ًل موضوعيًّا للمرأة تبرز من خلاله‬
     ‫مشاعر وعواطف ترتبط بالآخر «الرجل»‪ ،‬ففي‬               ‫تشكلات عدة للذات أسهمت جميعها ‪-‬إلى حد‬
      ‫قصيدة رقم (‪- )13‬على سبيل المثال‪ -‬تصبح‬          ‫كبير‪ -‬في تحديد البنية الكلية لقصائد الديوان‪ ،‬فمع‬
     ‫السبورة معاد ًل موضوعيًّا للأنثى؛ حيث تقول‬
                                                       ‫تتابع القصائد يمكن للمتلقي أن يتوقف عند أهم‬
                                         ‫سناء‪:‬‬       ‫ما يميز الذات الأنثوية‪ ،‬كما يستطيع استنباط مدى‬
            ‫«هل تعرفون أن السبورة أنثى مثالية؟‬       ‫التحول الذي يطرأ على هذه الذات في صورة تجعل‬

                          ‫ينتهك الطبشور روحها‬            ‫القصائد تمثل ك ًّل واح ًدا لا تنفصل أفكاره عن‬
                                       ‫بلين مرة‬                                      ‫بعضها البعض‪.‬‬

                                   ‫وبعنف مرات‬           ‫أخذت العلاقة بين الذات والأشياء من ًحى يجعل‬
   ‫حسب ما يسلم أذنيه للآخرين» (تما ًما كما أفعل‬        ‫هناك تماهيًا بينهما؛ إذ خرجت الذات في عدد من‬
                                                     ‫القصائد عن حدودها الإنسانية لتصبح لها كينونة‬
                                  ‫الآن‪ ،‬ص‪)34‬‬           ‫مغايرة تمثلت مرة في القطرة الراقصة‪ ،‬ومرة في‬
  ‫تأبى الذات في هذا الديوان أن تكون الذات المثالية‬  ‫النغمة الهاربة‪ ،‬وأخرى في المطر الراقص‪ ،‬وقد تج َّل‬
‫التي لا يشوبها شيء من قبح العالم‪ ،‬ويعد حضور‬
 ‫الذات الخالي من التجميل والتزيين ليظهر في أبهى‬          ‫هذا التماهي في سرد بعض التفاصيل المرتبطة‬
‫صورة من أهم معالم تشكل الذات في قصيدة النثر‪،‬‬          ‫بعلاقة الحب مع الآخر «الرجل»‪ ،‬وقد ظهر هذا في‬
 ‫حيث أصبحنا أمام ذات إنسانية تجمع بين الجمال‬
 ‫والقبح والخير والشر والتضحية والأنانية والقوة‬                       ‫إحدى القصائد في قول الشاعرة‪:‬‬
‫والضعف‪ ..‬إلى آخر ذلك من صفات النفس البشرية‬                        ‫«أنا نغمة هاربة من السلم الموسيقي‬

                                      ‫ونقيضها‪.‬‬                                        ‫اشتاقت إليك‪..‬‬
‫وفي هذا السياق تقف الشاعرة عند ذات لها وجهان‪،‬‬                                   ‫فتعلقت بذيل سحابة‬
‫تحاول مقاومة الكثير من الانكسارات وقبول فكرة‬        ‫وسقطت فوق رأسك مط ًرا راق ًصا» (تما ًما كما أفعل‬

   ‫الموت و َت َح ُّمل صفعات الآخرين‪ ،‬ولكن تبقى هذه‬                                     ‫الآن‪ ،‬ص‪)12‬‬
     ‫المحاولات في الظاهر دون الباطن الذي لا يعلم‬        ‫هذا التحول الذي تصبح عليه الذات ‪-‬القطرة أو‬

 ‫أحد عنه شيئًا إلا الرب‪ .‬وقد حرصت الشاعرة على‬             ‫النغمة أو المطر‪ -‬وليد حالة من الحب تعيشها‬
    ‫استخدام الأفعال المناسبة بدقة للتعبير عن هذه‬       ‫الذات الشاعرة‪ ،‬لكنها تأبى العيش في هذه الحالة‬
    ‫الصورة‪ ،‬ففي القصيدة رقم (‪ )6‬جاءت الأفعال‬           ‫بكينونتها الأنثوية‪ ،‬لنجدها تتحايل بهذا التماهي‬
                                                     ‫مع الأشياء على طبيعتها المتمردة التي يبدو أنها قد‬
 ‫المعبرة عن وجهي الذات على النحو التالي‪( :‬نحتال‪،‬‬      ‫عانت كثي ًرا من انكسارات متتالية في هذه الحياة‪.‬‬
                            ‫يظننا‪ ،‬ندعي‪ ،‬نوهم)‪.‬‬     ‫وربما يفسر هذا التصور ما جاء في القصيدة التالية‬
                                                        ‫للقصيدتين اللتين تحولتا فيهما الذات إلى قطرة‬
                    ‫«ونوهم الآخرين أننا مثاليون‬
           ‫نتحمل صفعاتهم بصدر رحب ونعفو‪..‬‬                         ‫ونغمة ومطر‪ ،‬وفيها تقول الشاعرة‪:‬‬
                                                                       ‫ظلي تمرد بعدما مل انكساراتي‬
                     ‫ونغني للواقفين في الطوابير‬                              ‫وأغلق بابه دوني وقال‪:‬‬
                         ‫حتى لا يملوا الانتظار‪..‬‬                                     ‫«هذا فراق بيننا‬
                                                                       ‫يا رفيقة الليل والدمعة الخائبة‬
                   ‫نحن أيها الرب أبناؤك الطيبون‬
                  ‫أبناؤك الذين يرتدون كل صباح‬
   140   141   142   143   144   145   146   147   148   149   150