Page 212 - m
P. 212

‫المعرفة» و»التأديب والعقاب»‬         ‫يرى سعيد أن الاستشراق لا يمكن‬
    ‫يؤكد سعيد على ضرورة‬            ‫تحديده بعامل واحد‪ ،‬ولكن بشبكة‬
                                  ‫كاملة ومعقدة من المصالح المتداخلة‪،‬‬
 ‫دراسة الغرب باعتباره أحد‬           ‫والتي تشارك في أي مناسبة تتعلق‬
   ‫أشكال «الخطاب»‪ ،‬فيقول‪:‬‬            ‫بذلك الكيان الغريب الذي يسمى‬
‫«إننا مالم نعرض الاستشراق‬         ‫"الشرق"‪ .‬فكتاب الاستشراق ‪-‬على نحو‬
                                   ‫ما يصرح سعيد‪ -‬هو محاولة للكشف‬
     ‫باعتباره لو ًنا من ألوان‬       ‫عن الكيفية التي زادت بها الثقافة‬
 ‫«الخطاب» فلن نتمكن مطل ًقا‬      ‫الأوروبية من قوتها ودعمت هويتها من‬
                                  ‫خلال وضعها لذاتها في مقابل الشرق‬
      ‫من تفهم المبحث البالغ‬         ‫باعتبارها ذا ًتا بديلة أو حتى دفينة‪.‬‬
   ‫الانتظام الذي م َّكن الثقافة‬
   ‫الأوروبية من تدبير أمور‬                        ‫يسمى (في‬        ‫القديم) عن صورته لدى‬
   ‫الشرق ‪-‬بل وابتداعه‪ -‬في‬          ‫معظم الأحيان) «الغرب»»‪.‬‬      ‫الأمريكيين (الذين يمثلون‬
                                  ‫(إدوارد سعيد‪ ،‬الاستشراق‪:‬‬      ‫الاستعمار الحديث)‪ .‬ولأن‬
     ‫مجالات السياسة وعلم‬          ‫المفاهيم الغربية للشرق‪ ،‬ت‪:‬‬   ‫الشرق بالنسبة للأوروبيين‬
     ‫الاجتماع‪ ،‬وفي المجالات‬       ‫د‪.‬محمد عناني‪ ،‬رؤية للنشر‬     ‫جزء لا يتجزأ من الحضارة‬
  ‫العسكرية‪ ،‬والإيديولوجية‪،‬‬                                      ‫المادية والثقافة الأوروبية‪،‬‬
     ‫والعلمية‪ ،‬والخيالية‪ ،‬في‬         ‫والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪ ،‬سنة‬
‫الفترة التالية لعصر التنوير»‪.‬‬                ‫‪ ،2006‬ص‪)45‬‬                ‫فإنه يرتبط بحركة‬
      ‫(نفس المرجع‪ ،‬ص‪)46‬‬                                         ‫الاستشراق الذي يعبِّر عن‬
 ‫ومن هذا المنطلق يرى سعيد‬              ‫ويعني ذلك أن كل من‬        ‫هذا الجانب ويمثله ثقافيًّا‬
     ‫أن الاستشراق لا يمكن‬             ‫يجعل نقطة انطلاقة هذا‬
  ‫تحديده بعامل واحد‪ ،‬ولكن‬         ‫التمييز بين الشرق والغرب‬        ‫وفكر ًّيا باعتباره أسلو ًبا‬
    ‫بشبكة كاملة ومعقدة من‬            ‫يدخل ضمن الاستشراق‬             ‫للخطاب‪ ،‬وبهذا المعنى‬
    ‫المصالح المتداخلة‪ ،‬والتي‬       ‫سواء أكان من الشعراء أو‬         ‫سيكون عمل سعيد هو‬
‫تشارك في أي مناسبة تتعلق‬            ‫الروائيين أو الفلاسفة‪ ،‬أو‬         ‫تحليل هذا الخطاب‪.‬‬
   ‫بذلك الكيان الغريب الذي‬       ‫أصحاب نظريات سياسية أو‬
    ‫يسمى «الشرق»‪ .‬فكتاب‬            ‫اقتصادية‪ .‬وعلى ذلك يمكن‬     ‫وبالرغم من أن للاستشراق‬
   ‫الاستشراق ‪-‬على نحو ما‬         ‫لهذا اللون من الاستشراق أن‬      ‫معان َي عديدة‪ ،‬فإن سعيد‬
  ‫يصرح سعيد‪ -‬هو محاولة‬            ‫يضم أيسخولوس‪ ،‬وفكتور‬             ‫يتعامل مع الاستشراق‬
    ‫للكشف عن الكيفية التي‬                                          ‫بمعناه الأعم والأشمل‪.‬‬
  ‫زادت بها الثقافة الأوروبية‬            ‫هوجو ودانتي وكارل‬           ‫فالاستشراق موضوع‬
   ‫من قوتها ودعمت هويتها‬                            ‫ماركس‪.‬‬      ‫دراسة سعيد هو «أسلوب‬
 ‫من خلال وضعها لذاتها في‬                                           ‫تفكير يقوم على التمييز‬
 ‫مقابل الشرق باعتبارها ذا ًتا‬        ‫وبتأثير من فكرة ميشيل‬       ‫الوجودي والمعرفي بين ما‬
‫بديلة أو حتى دفينة‪ .‬وفي هذا‬        ‫فوكوه عن «الخطاب» التي‬       ‫يسمى «الشرق»‪ ،‬وبين ما‬
 ‫السياق يقول‪« :‬ولكن ظاهرة‬         ‫عرضها في كتابيه «علم آثار‬
‫الاستشراق التي أدرسها هنا‬
‫ليس موضوعها مدى اتساق‬
      ‫الاستشراق في تصوير‬
    ‫الشرق «الحقيقي»‪ ،‬ولكن‬
     ‫موضوعي الرئيسي هو‬
   207   208   209   210   211   212   213   214   215   216   217