Page 60 - m
P. 60
العـدد 58 58
أكتوبر ٢٠٢3
ختا ًما: هو عايزه بمنتهى الحرية بشرط يكون في حاله وم
بيضرش حد .وكان بيعدي عليا بلدياتي وقرايبي
القيمة الكبرى والحقيقية لرواية «قيام وانهيار الصاد عرب الفيوم وكأنهم م يعرفونيش ،م أنا بربوني،
الشين» ،أن حمدي أبو جليل كان جريئًا لدرجة أنه يعني شحات ،ومش شحات بس ،شحات وزبالة،
خاصم كل الأساليب المتعارف عليها لكتابة رواية ولما اتصلَّحت معايا وبقالي بيت وباصرف بالآلاف
وسطية معتدلة ،تضمن لها روا ًجا كلاسيكيًّا في
أوساط القارئين والأدباء والنقاد ،وقدم وصفته هو رجعوا زي الكلاب».
التي تتطابق مع شخصيته وقناعاته وأسلوبه في الاستشهاد الأخير طويل نسبيًّا –حوالي مائتي
كلمة -لكنه كا ٍف لإعطاء فكرة عن لغة الحكي
الحياة والكلام والنقاش ،دون أن يعبأ بردود الأفعال
التي قد تكون محافظة وتنأى بنفسها عن مناقشة في طول الرواية وعرضها ،فالسمة الغالبة
عليه هي المحكية ،تلك التي تتلون حسب المكان
رواية تخوض في الممنوع والمسكوت عنه ،ولم ينشغل والفعل ،ففي المكان تدخل عليها مفردات بدوية
سوى بكتابة ما يحبه ويرضى عنه ،وما يحفظ له لو اقتصر الحديث على البدو ،وليبية جنوبية مثل
مكانته على هامش الكتابة المستقرة ،كما كان أساتذته لهجة السبهاويين ،ومحكية مطعمة بمفردات
يحبون الوقوف ،وقد صنعوا أمجادهم من هذه لاتينية لو كان في إيطاليا ،وفي الأفعال تدخل
المفردات الخاصة بكل منها :مفردات تخص
الأماكن المميزة التي جعلتهم مختلفين ،لا يشبهون تجارة الحشيش ،ومفردات الهروب في الصحراء،
إلا أنفسهم. والسجون والجنس ،والروائي لا يشذب اللهجات
أو يجعلها مناسبة لرواية ستكون بين أيادي
هل هذه رواية توثيقية؟ من الممكن أن تكون ،ففيها القارئين من الطبقة المتوسطة المحافظة ،غالبًا،
ما يمكن أن يعد فصو ًل من السيرة الذاتية للكاتب، ولكنه يضعها كما يقولها في مجالسه الذكورية
خصو ًصا أن الأماكن الروائية تتطابق مع الأماكن العادية ،وكما سمعها في مصادرها الأصلية ،دون
التي تنقل بينها ،وأن اسم الشخصية الروائية هو
حذف أو إضافة.
اسمه الطبيعي ،وأن بعض الأعمال التي اشتغلها نحن إذن لسنا أمام رواية مكتوبة بالفصحى ،أو
البطل هي نفسها الأعمال التي مارسها في فصول
من حياته الأولى .لكن –مع هذا -فنحن أمام قدرة الفصحى الخفيفة المطعمة بالعامية ،كما يذهب
لا يمكن إغفالها على صبغ الخيال بصبغة واقعية رواد الرواية العربية المعاصرون ،كما أننا لسنا
خشنة ،تجعل القارئ يظن أنها الحقيقة ذاتها ،وقد أمام رواية مكتوبة بالعامية مثل «قنطرة الذي
لا تكون كذلك ،وبالتأكيد هي ليست كذلك على طول كفر» لمصطفى مشرفة وكما في بعض المحاولات
الأخرى في كتابات لويس عوض وغيره ،لكننا
الخط. أمام بناء سائل ،يستخدم لغة سائلة ،تذهب مع
هذا ليس مه ًّما على أي حال ،فبمرور الزمن لن يبقى الراوي حسبما يريد وكيفما يفكر هنا والآن ،في
إلا الرواية نفسها كعمل أدبي خالص ،منفصلة عن لحظة الكتابة نفسها ،دون نظام ،فهي جزء أصيل
ذات كاتبها ،وحينها ستكون شهادة مهمة لكاتب من من جماليات العشوائية المنظمة التي يقيم بناءه
هذا الجيل على ما عايشه ،وعلى الظروف السياسية
والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والحضارية التي الروائي على أساسها ،وهو ما يعطيها تفردها
وتميزها على المستويات كافة.
رآها وتحرك خلالها ،فالأدب –في النهاية -شهادة
على العصر ،وحمدي أبو جليل هنا يقدم وثيقة مهمة
عن «الصاد شين» ،بدو الصحراء الشرقية ،وثقافتهم
ولغتهم وحركتهم في الزمان والمكان