Page 45 - تاريخ مصر الإسلامية 1 ثالثة ارشاد سياحى
P. 45
إنقسام البيت الطولوني
..........................
وقد حكم مصر بعد مقتل خماروية ثلاثة من آل طولون ،لم يزد حكمهم جميعاً على
عشر سنوات ،سقطت بعدها الأسرة الطولونية .وشهدت هذه السنوات العشر الأخيرة
من تاريخ الدولة الطولونية انحلالاً واضحاً وتدهوراً سريعاً ،بعد أن بلغت تلك الدولة
أوج قوتها ومجدها وعظمتها على عهد خماروية .وزاد من ذلك الانحلال انقسام البيت
الطولوني على نفسه ،فأبناه خماروية كانوا صغاراً ضعفاء ليس لهم من أسباب الهيبة
والنضج ما يجعلهم موضع احترام الجند ،وأخوة خماروية كانوا أشداء أقوياء ،كل
منهم متحفز للحصول على نصيب الأسد من تركه أبيهم أحمد ابن طولون ،وجند
خماروية ويلمانه وقادة جيشه أفسدتهم النعمة العريضة التي عاشوا فيها في كنف
خماروية ،بعد أن دللهم وأيدق عليهم وألبسهم القبية من الحرير والديباج وصاغ
لهم المناطق ،وقلدهم بالسيوف المحلاة يضعونها على أكتافهم .
ومن الواضح أنه وسط المنازعات التي نشبت بين أبناء البيت الطولوني بعد مقتل
خماروية ،كانت الكلمة الأولى للجند والموالى والغلمان ،إذ صار في استطاعتهم –
بحكم ما لهم من قوة – ترجيح كفة أحد الطامعين في الحكم على كفة آخر .والواقع أن
رجال الجيش أخذوا يتدخلون في الشهون الداخلية منذ أيام خماروية نفسه ،وخاصة
بعد أن هدأت العلاقات مع الخلافة العباسية ،ولم توجد حروب تشغلهم ،فانصرفوا إلى
جمع الأموال ومدوا أصابعهم إلى مالا يعنيهم من الأمور الداخلية ،ولم يجد خماروية
ما يسكتهم به في هذه الحالة سوى إعطائهم مزيداً من المال أو الاستعانة بالفقهاء
لاسترضائهم.
ولم يكن من مصلحة قادة الجيش أن يلي أمور البلاد بعد مقتل خماروية أحد أخوته
من الرجال الأشداء ،فتظاهروا بالولاء لأبناء خماروية ،واختاروا ابنه أبا العساكر
جيش الذي لم يتجاوز الرابعة عشرة من عمره ،وبذلك يسهل عليهم أن يلعبوا به لأنه
صبي لم يؤد به الزمان ولا محنة التجارب والعرفان .
وكان أن أقبل أبو العساكر جيش على الشرب واللهو مع مجموعة من عامة
أوباش الناس ،اتخذ منهم بطانة له ،فزينوا له الغدر بعمه أبي العشائر حتى قب
عليه وقتله ،الأمر الذي أيضب الناس عليه .وكان أن يضب أمراء الجيش وقادته
عندما وجدوا أبا العساكر يهملهم ولا يستمع إلا لتلك المجموعة من الأوباش الذين
اتخذهم أصفياء وندماء له .وزاد يضب القادة عندما علموا أنه عندما يستبد الخمر
بعقله يقول لندمائه واحداً بعد آخر ،يداً أقلدك موضع فلان وأهب لك داره وأسويك
نعمته ،فأنت أحق من هؤلاء الكلاب (يقصد قادة الجيش).
45