Page 49 - تاريخ مصر الإسلامية 1 ثالثة ارشاد سياحى
P. 49
ومهما يكن من أمر ،فإن موقف الخليفة المكتفي كان أقوى بكثير .ذلك أن الموقف
الداخلي في العراق كان هادئاً مما مكنه من النفاذ إلى شهون الشام ،فاستغل فرصة
فتنة القرامطة وأرسل جيشاً بقيادة محمد بن سليمان الذي أنزل الهزيمة بالقرامطة
قرب حماه وقضى عليهم وحمل زعماءهم أسارى إلى العراق .ولم يكن منتظراً من
الخليفة المكتفي أن يقنع بالسيطرة على بلاد الشام وأمامه مصر يترنح فيها الحكم
الطولوني .لذلك ما كاد محمد بن سليمان يفرغ من القضاء على القرامطة بالشام ،حتى
أمره الخليفة بالزحف على مصر ،يؤيده الأسطول العباسي في البحر المتوسط .وكان
أن انضم إلى محمد بن سليمان أمير دمشق وييره من الأمراء الناقمين على البيت
الطولوني ،وشرع الجميع في الزحف على مصر.
ومن الخطأ أن نتصور الطولونيين في النزع الأخير وقد استسلموا دون مقاومة ،
إذ جمع هارون قواته عند العباسية بالشرقية ،في الوقت الذي التقى الأسطول
الطولوني بأسطول الخلافة عند تنيس ،فانتصر الأسطول العباسي واستولى العباسيون
على دمياط .وفي ذلك الموقف الحرج قتل هارون ،وانضم كثير من قواته إلى الغزاة ،
فخلفه شيبان سنة 292هـ 905 /م .ويذكر أبو المحاسن أن شيبان ناوش العباسيين
ساعة ،أدرك بعدها قلة من معه من الرجال وكثرة جيوش محمد بن سليمان .لذلك
استجاب شيبان لمحمد بن سليمان عندما كتب إليه الأخير يؤمنه على نفسه وأهله
وولده وماله فجمع إخوته وبنى عمه في الليل وتوجهوا إلى محمد بن سليمان
وصاروا في قبضته .
وهكذا دخل محمد بن سليمان على رأس الجيوش العباسية مدينة مصر من يير
أن يمنعه عنها مانع ،فقتل كثيراً من الناس ،وأحرق بع القطائع وزالت دولة
بني طولون كأنها لم تكن .
49