Page 52 - تاريخ مصر الإسلامية 1 ثالثة ارشاد سياحى
P. 52

‫‪ ،‬ونحو ذلك من أصناف النكال ‪ ...‬لذلك لم يسع المصريون وسط تلك الغمة سوي أن‬
                                      ‫يترحموا على آل طولون ويذكروا حلو أيامهم‪.‬‬

‫والواقع إن زوال الدولة الطولونية لم يتم دون محاولة من جانب أنصارها لإحيائها‪.‬‬
‫ذلك أن الخليفة المكتفي العباسي لم يكد يولي على مصر أبا موسى عيسى بن محمد‬
‫النوشرى حتى قامت ثورة كبرى لإحياء الدولة الطولونية بزعامة محمد بن على‬
‫الخلنجي المعروف بابن الخليج‪ .‬وكان ابن الخليج هذا أحد رجال الطولونيين الذين‬
‫ساقهم معه إلى العراق القائد العباسي محمد بن سليمان الكاتب‪ .‬ولكنه تمكن من الفرار‬
‫أثناء الطريق إلى بغداد ‪ ،‬وعاد مسرعاً إلى مصر للقيام بحركة تستهدف إحياء الدولة‬
‫الطولونية‪ .‬وعندما وصل ابن الخليج مدينة الرملة دعا على منابرها لإبراهيم بن‬
‫خماروية ‪ ،‬ثم لنفسه بوصفه نائباً عن إبراهيم الذي حمل أسيراً إلى بغداد‪ .‬وكان أن‬
‫صادف ابن الخليج تأييداً كبيراً من المصريين فازداد أتباعه ‪ ،‬وتوالت انتصاراته على‬
‫والي مصر النوشري الذي اضطر إلى الجلاء عن الفسطاط‪ .‬ولم تلبث أن دانت الدلتا‬

  ‫بأكملها لابن الخليج ‪ ،‬مما أنذر بخروج مصر مرة أخرى من قبضة الخلافة العباسية‪.‬‬

‫وعندما أحس الخليفة المكتفي بخطر حركة ابن الخليج ‪ ،‬أرسل الجيش تلو الآخر‬
‫لإخضاعه ‪ ،‬حتى حلت الهزيمة بابن الخليج قرب بني سويف سنة ‪ 292‬هـ ‪905 /‬م‬
‫ففر إلى الفسطاط حيث ألقى القب عليه ‪ ،‬وأرسل إلى بغداد ليشهر به قبل إعدامه‪.‬‬

                           ‫وبذلك عادت مصر مرة أخرى إلى قبضة الخلافة العباسية‪.‬‬

‫والواقع إن سرعة نجاح ابن الخليج واستطاعته التغلب على نفوذ الخلافة العباسية‬
‫في مصر نحواً من سبعة أشهر ‪ ،‬إنما يرجع الفضل فيها إلى تحمس الشعب المصري‬
‫ضد الخلافة التي قضت على دولة لها في مصر طابع قومي وإذا كانت ثورة الخلنجي‬
‫– أو ابن الخليج – قد فشلت ‪ ،‬فلا أقل من أن يعبر المصريون عن استيائهم من الخلافة‬
‫العباسية وما فعلته ببني طولون تعبيراً جديداً عن طريق التجاوب مع النفوذ الفاطمي‬
‫الذي ظهر في المغرب‪ .‬ذلك أن عبيد الله المهدي – وهو من سلالة فاطمة الزهراء –‬
‫استطاع أن ينتقل إلى بلاد المغرب حيث كان أبو عبد الله الشيعي قد نجح في نشر‬
‫الدعوة للفاطميين‪ .‬وعلى الريم من أن عبيد الله المهدي مر متخفياً بمصر في طريقه‬
‫إلى المغرب ‪ ،‬إلا أنه من الصعب فهم كيف فات أمره على محمد بن سليمان أو عيسى‬
‫النوشرى ‪ ،‬فلم يقبضا عليه ريم الأوامر المشددة التي أصدرها الخليفة العباسي‬
‫بالقب عليه‪ .‬ويفهم من كلام المؤرخين الذين عالجوا هذا الموضوع أن عبيد الله‬
‫المهدي حمل معه أثناء رحلته مالاً كثيراً استطاع أن يرشوا به هذا أو ذاك من الولاة‬

                             ‫أثناء رحلته ‪ ،‬حتى وصل سليما إلى سجلماسة بالمغرب‪.‬‬

                                              ‫‪52‬‬
   47   48   49   50   51   52   53   54   55   56   57