Page 53 - تاريخ مصر الإسلامية 1 ثالثة ارشاد سياحى
P. 53
ومهما يكن من أمر ،فإن أقدام الفاطميين لم تكد تثبت في المغرب حتى تطلعوا
لامتلاك مصر ،نظراً لما لها من موقع فذ وخبرات ضخمة .وهنا يؤكد الكندي أن بع
المصريين كاتبوا الفاطميين في المغرب وطلبوا منهم يزو مصر ،الأمر الذي يشير إلى
أن المصريين وجدوا في هذه القوة الجديدة على حدود بلادهم الغربية منفذاً للخلاص
من سيطرة الدولة العباسية .وكان أن أرسل المهدي جيشاً لغزو مصر سنة 301هـ /
913م بقيادة حباسة بن يوسف ،فاستولى الفاطميون على برقة ثم الإسكندرية ،
ومنها اويلوا في الوجه البحري .وكان والي مصر عندئذ أبو منصرو تكين الذي عين
والياً على مصر بعد وفاة عيسى النوشرى سنة 297هـ 909 /م ،فلم يستطع وقف
الغزو الفاطمي وأرسل إلى الخليفة العباسي مستنجداً به .وقد أفزعت هذه الأخبار
الخليفة المقتدر العباسي فأرسل جيشاً كبيراً بقيادة مؤنس الخادم ،وتمكن هذا الجيش
من إنزال الهزيمة بحباسة قائد الجيش الفاطمي ،فاضطر إلى الانسحاب إلى المغرب
حيث قتله الخليفة الفاطمي.
أما مؤنس الخادم – قائد الجيش العباسي – فقد عزل تكين عن ولاية مصر سنة
302هـ 914 /م وأقره الخليفة المقتدر على رأيه ،وأرسل والياً جديداً هو ذكا الرومي
( 307 – 303هـ 919 – 915 /م) .ويبدو أن هذا الوالي الجديد أتى إلى مصر
مزوداً بتعليمات باستهصال شأفة أنصار الفاطميين من مصر فتتبع كل من أتهم
بالاتصال بهم ،وعاقبهم بالسجن ،كما قطع أيدي بعضهم وأرجلهم .على أن هذه
الإجراءات لم تمنع الفاطميين من معاودة التفكير في يزو مصر ،وفي الوقت نفسه لم
تمنع المصريين من التجاوب مع الفاطميين بقلوبهم وأحاسيسهم .وكان أن يزا مصر
سنة 307هـ 919 /م جيش فاطمي بقيادة أبي القاسم بن المهدي ،فاستولى على
الإسكندرية وسار إلى الجيزة .وكان ذكا الرومي قد توفى في نفس السنة ،فخلفه في
ولاية مصر تكين للمرة الثانية ،ولكن تكين لم يستطع أن يحرز انتصاراً على الفاطميين
،الأمر الذي جعل الخليفة العباسي يرسل جيشاً إلى مصر بقيادة مؤنس الخادم سنة
308هـ 920 /م .ويبدو أن الموقف كان خطيراً عندئذ لأن النفوذ الفاطمي امتد في
البلاد حتى الأشمونين والفيوم ،ولكن الهزيمة حلت بهم ،واضطر أبو القاسم ابن
المهدي إلى الفرار إلى المغرب بعد أن خسر كثيراً من جنده وسفنه.
ومهما يكن من أمر ،فإنه من الواضح أن هذه المحاولات الأولى التي قام بها
الفاطميون لغزو مصر لم يقدر لها النجاح ،لأن الخلافة العباسية كانت عندئذ لاتزال
على درجة من القوة مكنتها من مدافعة الفاطميين .هذا وإن كانت الخلافة العباسية
نفسها قد اهتزت أمام الخطر الفاطمي ،لأن هذا الخطر لم يكن مجرد تهديد عادي
بضياع مصر مرة أخرى من قبضة الخلافة العباسية ،وإنما زاد من وقع هذا الخطر أنه
53