Page 55 - تاريخ مصر الإسلامية 1 ثالثة ارشاد سياحى
P. 55
ظهور الإخشيديين
......................
ولاشك في أن هذه الأحداث المتداخلة تعطينا فكرة واضحة عما وصل إليه العالم
الإسلامي من تفكك في القرن الرابع الهجري /العاشر للميلاد – فبعد أن كانت هناك
خلافة واحدة يجلس صاحبها في دمشق ويصدر أوامره فتلبي مشيهته في البصرة
وأصفهان والمدينة وصنعاء والفسطاط والقيروان وقرطبة ،إذا بالعالم الإسلامي يفقد
وحدته السياسية وتتقاسمه في القرن الرابع الهجري ثلاث خلافات ،هي الخلافة
الأموية في الأندلس والخلافة الفاطمية في شمال أفريقية فضلاً عن الخلافة العباسية
في العراق ،وهي الخلافة التي أخذ الوهن يمتد سريعاً في جسدها .وكان أقوى مظاهر
انحلال الخلافة العباسية الحركات الانفصالية التي قامت في أرجائها وولاياتها من
ناحية ،ثم عجز الخلفاء العباسيين أنفسهم عن السيطرة على شهون الحكم ووقوعهم
تحت سيطرة عناصر الأتراك الذين صار منهم قادة الجيش والوزراء وأرباب النفوذ في
الدولة من ناحية أخرى.
وإذا كانت المراجع قد اعتادت أن تنسب إلى عهد الخليفة العباسي المعتصم بالله –
ابن هارون الرشيد – ازدياد نفوذ الأتراك في الدولة ،والاستغناء بهم في الجيش عن
جنود الأبناء والعرب جميعاً ،فإنه من الثابت أن الخليفة المعتصم ( 227 – 218هـ /
841 – 833م) جلب جموعاً من أتراك فريانة ،وبالذ في إكرامهم وأقطعهم القطائع
في سامراء للاستعانة بهم والاعتماد عليهم في حماية ملكه .وبرز من هؤلاء الأتراك
جف – جد الإخشيديين – الذي حظى عند الخليفة المعتصم بمكانة كبيرة لشجاعته
وإقدامه في الحروب .وبعد وفاة المعتصم ،ظل جف يتمتع بنفس المكانة عند ابنه
الخليفة الواثق (ت 232هـ 846 /م) ،ثم عند الخليفة المتوكل (ت 247هـ /
861م) .ويقال إن جف توفي في بغداد في الليلة التي قتل فيها الخليفة المتوكل
العباسي ،وعندئذ لم يجد أولاده بداً من ترك بغداد ،فإنصرف طغج بن جف إلى مصر ،
حيث اتصل بلؤلؤ يلام أحمد بن طولون ،وعن هذا الطريق تمكن من الاتصال بأحمد
بن طولون نفسه.
على أن طغج لم يظل على ولائه لأحمد بن طولون ،وإنما انضم إلى جانب إسحق
بن كنداج والى الموصل الذي دخل في صدام عنيف مع ابن طولون كما مر بنا .واستمر
على ذلك حتى توفى أحمد بن طولون وتم الصلح بين ابنه خماروية وإسحق بن كنداج ،
وعندئذ عاد طغج إلى ولائه للطولونيين ،فعينه خماروية والياً على دمشق وطبرية.
وريم ما يقال عن سوء التفاهم بين خماروية في أواخر أيامه وطغج ،إلا أن الأخير قام
بخدمة سيدة بكفاية نادرة ،حتى قتل خماروية ،وعندئذ واصل طغج العمل في خدمة
55