Page 59 - تاريخ مصر الإسلامية 1 ثالثة ارشاد سياحى
P. 59
الأوضاع التي نجمت عن ضعف الخلافة العباسية ،وهي أوضاع ظهر بعضها في
حاضرة الخلافة ذاتها والبع الآخر ظهر في القوى الصغيرة المتطاحنة التي تفرعت
عن الدولة العباسية وقامت على أنقاضها.
وكان أول هذه الأخطار التي واجهت محمد بن طغج الإخشيد النزاع الخطير بينه
وبين ابن رائق أمير الأمراء في الدولة العباسية .وكان منصب أمير الأمراء في الخلافة
عندئذ قد يدا من المناصب الخطيرة ،التي يتمتع صاحبها بنفوذ واسع كبير في
النواحي الإدارية والمالية ،سواء في قلب الدولة أو في أطرافها المرتبطة بها .لذلك لا
عجب إذا اشتد التطاحن والصراع بين كبار رجال الدولة للفوز بهذا المنصب ،الأمر
الذي جعل حاضرة الخلافة مسرحاً لكثير من الفتن التي انعكست صورتها واضحة في
عديد من الولايات.
وإذا كان ابن رائق قد تولى منصب أمير الأمراء في بغداد سنة 324هـ 936 /م
فإنه كان من الطبيعي أن يثور عندما نجح أحد منافسيه في انتزاع ذلك المنصب منه بعد
عامين .لذلك انتهز ابن رائق فرصة خروج الخليفة الراضي من بغداد لمحاربة
الحمدانيين ،واعتصم في بغداد ولم يقبل الانسحاب منها إلا بعد أن منحه الخليفة ولاية
حران والرها وييرهما من البلاد الواقعة على أطراف الدولة جهة الشمال .ومن
الواضح أنه لم يكن منتظراً من ابن رائق أن يقنع بتلك الأجزاء البعيدة المتطرفة ،وإنما
انتهز فرصة ملامسة أمارته الجديدة لبلاد الشام ليبسط نفوذه على هذه البلاد ذات
الموقع الفريد والثروة العظيمة والمكانة الخالدة في التاريخ.
وكان معظم بلاد الشام عندئذ تحت نفوذ الإخشيد ،ويشرف على شهونها أمير من
قبله اسمه بدر بن عبد الله ،فأدى تطلع ابن رائق إلى بلاد الشام إلى استثارة مخاوف
الإخشيد .ولا يخفى علينا أن بلاد الشام هي دائماً بمثابة الباب الأمامي لمصر من جهة
الشرق ،وعن طريق هذا الباب أتت إلى مصر كافة الغزوات التي هددتها في مختلف
عصور التاريخ من الناحية الشرقية .لذلك كان من حق الإخشيد أن يعمل حساباً لنيات
ابن رائق وطموحه ،وينظر إلى المسألة من زاوية مركزة في مصر بالذات.
وكان أن بدأ ابن رائق يستفز الإخشيد ،فأرسل إليه يطلب إتاوة على ممتلكاته في
بلاد الشام ،إشارة إلى تبعية بلاد الشام لابن رائق وإلى أن الإخشيد يحكمها نيابة عنه.
ويبدو أن محمد بن طغج الإخشيد كان في ذلك الدور الأول من حكمة لا يميل إلى
الدخول في صراع مسلح مع جار قوي مثل ابن رائق ،وخاصة أن توطيد نفوذه داخل
مصر كان يتطلب كافة جهوده وإمكانياته .لذلك بادر الإخشيد بتقديم المال المطلوب إلى
ابن رائق ،وعندئذ ظهر أن الأخير لم يقصد المال في حد ذاته وإنما كان يقصد امتلاك
بلاد الشام كخطوة للوثوب منها على مصر ،فبادر بالهجوم على بلاد الشام وأنزل
59