Page 61 - تاريخ مصر الإسلامية 1 ثالثة ارشاد سياحى
P. 61
علاقة محمد بن طغج الإخشيدى بالخلافة العباسية
..................................................
ولا ندرى بالضبط ماذا كان موقف الخلافة العباسية من تلك الخطوة التي اتخذها
محمد بن طغج الإخشيد ،إذ صمتت المراجع عن ذلك الأمر صمتاً تاماً ،وإن كان يبدو
لنا أن الخلافة العباسية في ذلك الدور كانت تعاني آلام المرض بل الموت البطئ ،الأمر
الذي جعل الخليفة أكثر انشغالاً وإحساساً بما يجرى من قبل الدولة من تيارات
ومنازعات بين الطامعين ،منه بما كان يدور في الولايات .ولا أدل على ضعف الخليفة
العباسي وأنه يدا مغلوباً على أمره ،من أن الخليفة المتقي أرسل إلى الإخشيد يشكو
له أمير الأمراء توزون الذي أخذ يضيق على الخليفة حتى اضطره إلى ترك بغداد
والهجرة إلى الموصل ،ومن هناك بعث الخليفة إلى الإخشيد مستنجداً به سنة 232هـ
943 /م ويبدو أن الخليفة لم يستنجد بالإخشيد إلا بعد أن قنط من مساعدة الحمدانيين ،
وبعد أن تغلب توزون على النجدة التي أرسلها الحمدانيون لنصرة الخليفة.
أما الإخشيد فقد يادر مصر مسرعاً لملاقاة الخليفة قرب الفرات .وفي هذا اللقاء
أظهر الإخشيد ضروب الطاعة للخليفة المتقي وقدم له الأموال والهدايا الثمينة ،وألح
في دعوته للحضور إلى مصر والإقامة فيها ،فقال للخليفة يا أمير المؤمنين ،أنا
عبدك وابن عبدك ،وقد عرفت الأتراك ويدرهم وفجورهم ،فالله في نفسك سرمعى إلى
الشام ومصر فهي لك وتأمن على نفسك .وكان أن كافأ الخليفة الإخشيد على ولائه
وإخلاصه بأن قال له :قد وليتك أعمالك ثلاثين سنة فاستخلف لك أنوجور .ومعنى
ذلك موافقة الخليفة على أن يورث الإخشيد مصر لأبنائه من بعده ،هو ما سعى إليه
الإخشيد فعلا .ولكن الخليفة لم يقبل أن يترك العراق ،وخاصة بعد أن وصلته كتب
توزون يدعوه إلى العودة إلى بغداد ،فعاد الخليفة إلى بغداد وعاد الإخشيد إلى مصر.
ولا ندري بالضبط حقيقة نوايا الإخشيد عندما ألح في دعوة الخليفة لمقامة بمصر
،ولا ندري ماذا كان يمكن أن يترتب على هذا المشروع – لو تم – بالنسبة لتاريخ
الدولة الإخشيذية وتاريخ الخلافة العباسية وتاريخ مصر جميعاً .وكل ما نستطيع أن
نقرره هو أن جهود ابن طولون والإخشيد لجعل مصر قاعدة الخلافة العباسية باءت
بالفشل ،وأن هذا الحلم لم يتحقق إلا في عصر سلاطين المماليك ،أي بعد سقوط بغداد
في أيدي التتار سنة 656هـ1258 /م وإذا كانت مصر قد يدت قاعدة لخلافة إسلامية
في عصر الفاطميين فإنها كانت خلافة من نوع آخر يير الخلافة العباسية السنية.
أما الخليفة المتقي فقد عاد إلى بغداد ليعزله أمير الأمراء توزون ،ويقيم مكانه في
الخلافة المستكفي بالله ،ولم يؤثر ذلك على علاقة الإخشيد بالخلافة العباسية ،إذ ظلت
العلاقة طيبة بينه وبين المستكفي ثم المطيع .وكل ما هنالك هو أن الإخشيد أخذ منذ
61