Page 65 - تاريخ مصر الإسلامية 1 ثالثة ارشاد سياحى
P. 65
المحاسن عن وضع أبي الحسن على بأنه دام على هذا في الملك ،له الاسم فقط
والمعنى لكافور .
واتصفت هذه السنوات الخمس التي تولى الحكم فيها على بن الإخشيد بكثرة
الاضطرابات وسوء الأوضاع الداخلية والخارجية .ففي الداخل انخف النيل سنة 351
هـ 962 /م فاشتد الغلاء وارتفعت الأسعار وساءت أحوال الناس .ومن جهة أخرى
اشتدت هجمات الفاطميين من الغرب والنوبيين من الجنوب ،كما اشتد عبث القرامطة
ببلاد الشام .وزاد من سوء الأحوال في البلاد ما حدث من انشقاق بين كافور وعلى بن
الإخشيد ،ولكن كافور كان على درجة من القوة والنفوذ مكنته من أن يمنع الناس من
الاجتماع بأبي الحسن على ،فظل الأخير منزوياً حتى مرض وتوفى سنة 355هـ /
966م وحمل إلى القدس ليدفن إلى جانب أبيه وأخيه.
وبعد وفاة على بن الإخشيد بقيت مصر بضعة أيام دون أمير .ويبدو أن كافور كان
يتنازعه خلال تلك الأيام تياران أحدهما يدفعه إلى إقامة أحمد بن على بن الإخشيد في
حكم مصر محل أبيه ،والآخر يغريه بانتزاع الحكم لنفسه .وبعد فترة قصيرة من
التفكير رجح كافور الرأي الثاني ،لاسيما وأن أحمد بن على كان عندئذ طفلاً في
التاسعة من عمره .وقد تلقب كافور بالإخشيدي احتفاظاً بالرباط الذي ربطه ببيت محمد
بن طغج الإخشيد ،كما طلب من الخليفة المطيع لله العباسي أن يثبته في مصر ،ففعل.
على أن كافور لم يظل في الحكم سوي سنتين وأربعة أشهر ،واتصفت هذه المدة
بازدياد الخطر الفاطمي وتفاقمه ،كما سنرى فيما بعد .ومع ذلك فإن حكمنا على مكانة
كافور لا ينبغي أن يستمد من أعماله خلال هاتين السنتين ،لأننا رأينا أنه كان الحاكم
الفعلي للبلاد منذ وفاة سيدة محمد بن طغج الإخشيد .وطوال هذه السنوات التي حكم
فيها كافور أثبت أنه سياسي ماهر فكان – كما وصفه أبو المحاسن – خبيراً بالسياسة
فطنا ذكياً جيد العقل داهية .ولا أدل على كياسته وطول باعه في السياسة من أنه
أدرك صعوبة موقفه بين قوتين كبيرتين متعاديتين هما الخلافة العباسية السنية في
الشرق والخلافة الفاطمية الشيعية في الغرب ،فأمسك بالعصا من الوسط ولم يتورط
في معاداة إحدى القوتين فكان يهادي المعز (الفاطمي) صاحب المغرب ويظهر ميله
إليه ،وكذا يذعن بالطاعة لبني العباسي ،ويداري ويخدع هؤلاء وهؤلاء ،وتم له
الأمر!!.
أما عن أخلاق كافور ،فقد وصف بأنه كان شجاعاً مقداماً جواداً ،وقد قصده
الشعراء طمعاً في كرمه ،وعلى رأسهم المتنبي صاحب الدور الشهير – في المدح ثم
الهجاء – مع كافور .وأحبه الناس لعدله وتقواه فكان يداوم الجلوس يدوة وعشية
65