Page 46 - تاريخ مصر الإسلامية 1 ثالثة ارشاد سياحى
P. 46
وكان أن خرج بع القادة والغلمان – وهم نحو ثلثمائة – من مصر وقصدوا
العراق سنة 283هـ 896 /م ليلوذوا بالخليفة المعتضد الذي أحسن استقبالهم
وأكرمهم .ويبدو أن هؤلاء كانوا قد دبروا مؤامرة للتخل من أبي العساكر جيش ،
ولكن أمرهم افتضح ،ففروا من مصر قبل أن يتعرضوا لنقمته.
وفي الوقت الذي خرج أمير دمشق وأمير الثغور عن طاعته ،استمر جيش في
ييه ،الأمر الذي جعل قادة الجيش يقومون بمحاولة أخرى لخلعه .وفي هذه المرة
واجهوه بالحقيقة وطلبوا منه أن يتنحى ليحل محله عمه مضر في الحكم ،ولكن جيش
رد عليهم بان دخل على عمه – وكان معتقلاً – فقتله ،وقذف برأسه إلى الجند قائلاً
لهم خذوا أميركم !! وعندئذ لم يستطع قادة الجيش صبراً فخلعوا أبا العساكر جيش
وحبسوه سنة 283هـ 896 /م بعد أن ولى أمر البلاد ستة أشهر ،ولم يلبث أن قتل
في السجن بعد بضعة أيام.
ومرة أخرى اتجه قادة الجيش نحو تعيين أحد أبناء خماروية ،تظاهراً بالولاء
لبيته وتخوفاً من أن يلي الإمرة بع إخوة خماروية الناضجين .وكان أن تمت مبايعة
هارون بن خماروية – وكان صبياً صغيراً – فقام بالوصاية عليه أبو جعفر محمد بن
أبي ،وهو رجل ذو دهاء ومكر ،على قول أبي المحاسن .وقد استمر هارون يحكم
حكماً إسمياً مدة ثماني سنين وثمانية أشهر ،في حين كانت السلطة الفعلية في يد
محمد بن أبي وأعوانه من كبار رجال الجيش .وقد ظلت أمور البلاد مضطربة في عهد
هارون بن خماروية ،واستمر هو متشايلاً باللهو والسكر ،حتى انتهى الأمر بقتله
سنة 292هـ 904 /م ،وعمره يومهذ اثنان وعشرون سنة.
وبعد قتل هارون نادى قتلته بعمه شيبان أميراً على مصر .وكان شيبان هذا
أهوج ،جسوراً ،جسيماً ،جلداً ،شديد البدن في عنفوان شبابه ،فصار يسرع في
أموره ،وكانت المشكلة التي واجهت حكام مصر بعد مقتل خماروية هي عدم وجود
المال الكافي لمنح العطاء للجند ،الأمر الذي جعل الجند في حالة ثورة دائمة بسبب
الريبة في العطاء .ولا يخفى علينا أن خماروية كان قد أنفق كل ثروته في جهاز ابنته
قطر الندى بحيث ترك الخزانة خاوية ،مما جعل ابنه وخليفته أبا العساكر جيش يعاني
حرجاً لقلة المال وعجزه عن أن ينعم عليهم ،لأن أبا الجيش خماروية كان أنفق في
جهاز ابنته قطر الندى لما زوجها للخليفة المعتضد جميع ما كان في خزائنه ومات بعد
ذلك بمدة يسيرة ،فمات حقاحين حاجته إلى الموت لأنه لو عاش أكثر من هذا حتى
يلتمس ما كانت جرت عادته به لا ستصعب ذلك عليه ،ولو نزلت بع ملمة لافتضح!! .
وهكذا استمر حكام مصر من الطولونيين بعد خماروية يعانون الضيق الشديد نتيجة
لمسراف في جهاز قطر الندى.
46