Page 42 - تاريخ مصر الإسلامية 1 ثالثة ارشاد سياحى
P. 42

‫سياسة خماروية الداخلية‬
                       ‫‪................................‬‬

‫وعندما استراح خماروية من ناحية المتاعب الخارجية بوجه عام والموفق بوجه‬
‫خاص ‪ ،‬أخذ فى إصلاح ممالكه ‪ ،‬أي أخذ يوجه عنايته نحو شهون البلاد الداخلية‪.‬‬
‫ذلك أن خماروية عمل على استرضاء أهل البلاد مثلما فعل أبوه أحمد بن طولون من‬
‫قبل ‪ ،‬فتسامح مع النصارى وأحسن إليهم ‪ ،‬وتحبب إلى المسلمين من المصريين‬

                  ‫وأجزل لهم العطاء ‪ ،‬الأمر الذي جعله محبوباً من العامة والخاصة ‪.‬‬

‫وقد أجمعت المصادر التاريخية على عظم ثروة مصر في عهد خماروية وعلى‬
‫إسرافه وكثرة منشآته وميله إلى الترف والإمعان في التنعم‪ .‬ويعطينا المؤرخ أبو‬
‫المحاسن صورة واضحة عن ذلك بقوله ولماملك خماروية الديار المصرية بعد موت‬
‫أبيه أحمد بن طولون ‪ ،‬أقبل على عمارة قصر أبيه وزاد فيه محاسن كثيرة ‪ ،‬وأخذ‬
‫الميدان الذي كان لأبيه المجاور للجامع ‪ ،‬فجعله كله بستاناً ‪ ،‬وزرع فيه أنواع الرياحين‬
‫وأصناف الشجر ‪ ،‬وحمل إليه كل صنف من الشجر المطعم وأنواع الورد ‪ ،‬وزرع فيه‬
‫الزعفران ‪ ،‬وكسا أجسام النخل نحاساً مذهباً حسن الصنعة ‪ ،‬وجعل بين النحاس‬
‫وأجسام النخل مزاريب الرصاص وأجرى فيها الماء المدبر ‪ ،‬فكان يخرج من تضاعيف‬
‫قائم النخل عيون الماء ‪ ،‬فينحدر إلى فساقي معمولة ‪ ،‬ويفي الماء إلى مجار تسقي‬
‫سائر البستان ‪ ،‬ويرس في أرض البستان من الريحان المزروع في زي نقوش‬
‫معمولة وكتابات مكتوبة ‪ ،‬يتعاهدها البستاني بالمقاري حتى لا تزيد ورقة على ورقة‬
‫‪ ،‬لهلا يشكل ذلك على القار ‪ .‬وبعد أن يروي أبو المحاسن أصناف الطيور الجميلة‬
‫الصادحة التي عنى خماروية بتربيتها في ذلك البستان ‪ ،‬والاستراحة الخاصة التي‬
‫أقامها خماروية لنفسه فيه وسماها دار الذهب لأن حيطانها كلها طليت بالذهب ‪ ،‬يشير‬
‫إلى الفسقية التي عملها خماروية وم ها بالزئبق ‪ ،‬لأنه شكا إلى طبيبة من الأرق‬
‫فأشار عليه بأن ينام على سرير من الجلد المنفوح بالهواء ويوضع السرير على سطح‬

  ‫من الزئبق ليهتز الفراش في رفق ونعومة ‪ ،‬مما يجلب النوم في عينى خماروية‬
‫وكانت هذه البركة من أعظم الهمم الملوكية العالية ‪ ،‬وكان يرى بها في الليالي المقمرة‬
‫منظر عجيب ‪ ،‬إذا تآلف نور القمر بنور الزئبق ‪ ...‬ولقد أقام الناس مدة طويلة بعد‬

                          ‫خراب هذا القصر يحفرون لأخذ الزئبق من شقوق البركة ‪.‬‬

‫ثم إن خماروية بنى داراً كبيرة أسماها دار الحرم ‪ ،‬نقل إليها أمهات أولاد أبيه مع‬
‫أولادهن ‪ ،‬وجعل معهن المعزولات من أمهات أولاده ‪ ،‬وخص لهن جميعاً المال‬
‫الجزيل والخدم والأتباع‪ .‬ويروي المقريزي كيف أن الطعام الفائ كل يوم من دار‬
‫الحرم كان يوزع على الخدم والطباخين وييرهم ‪ ،‬فيفوز كل واحد منهم بكميات ضخمة‬

                                              ‫‪42‬‬
   37   38   39   40   41   42   43   44   45   46   47