Page 84 - تاريخ مصر الإسلامية 1 ثالثة ارشاد سياحى
P. 84

‫ويبدو أن المعز أحس من أول الأمر أنه في حاجة إلى مزيد من تجاوب أهل مصر‬
‫معه وإيمانهم به وبخلافته‪ .‬ويروى أبو المحاسن أن المعز عندما دخل القاهرة احتجب‬
‫في القصر وبعث عيونه ورجاله ينقلون إليه أخبار الناس ليفاجههم بها ‪ ،‬ويظهر في‬
‫صورة المطلع على الغيب‪ .‬وفي فترة احتجابه حرص على تناول الأيذية المسمنة‬
‫والاطليلة ‪ ،‬التي تنقي البشرة وتحسن اللون‪ .‬ثم ظهر للناس بعد مدة وقد لبس الحرير‬
‫الأخضر وجعل على وجهه اليواقيت والجواهر تلمع كالكواكب ‪ ،‬وزعم أنه كان يائباً في‬

         ‫السماء وأن الله رفعه إليه‪ ،‬فامت ت قلوب العامة والجهال منه رعبا وخوفاً‪. .‬‬

‫ومهما يكن من أمر ‪ ،‬فقد تحقق حلم الخلافة الفاطمية وأصبحت مصر قاعدة‬
‫الخلافة وقلبها الناب ‪ .‬ولا عبرة بما يردده بع الباحثين من أن انتقال الخلافة‬
‫الفاطمية إلى القاهرة أفقد الفاطميين مكانتهم في شمال إفريقية (تونس) ‪ ،‬إذ لا يخفي‬
‫علينا أن مركز الثقل في العالم الإسلامي كان دائماً أبدأ في المشرق لا في المغرب ‪ ،‬وإن‬
‫انتقال الخلافة الفاطمية إلى مصر جعل المسلمين أكثر إحساساً بها وبوجودها ‪ ،‬وجعل‬
‫الخلفاء الفاطميين أكثر مقدرة على مد نفوذهم بعيداً في جوف شبه الجزيرة العربية‬
‫فضلاً عن الشام ‪ ،‬بل في العراق نفسه ‪ ،‬قلعة الخلافة العباسية المناوئة وحصنها‬

                                                                         ‫الحصين‪.‬‬

‫ويستطيع الباحث المتأمل في تاريخ الدولة الفاطمية في مصر أن يقسم ذلك التاريخ‬
‫إلى دورين كبيرين ‪ :‬الدور الأول هو دور الازدهار ‪ ،‬وقد بلذ فيه نفوذ الخلافة أقصى‬
‫درجات الاتساع ‪ ،‬وبلغت الدولة أقصى درجات القوة والعظمة‪ .‬وتعاقبعلى عرش الخلافة‬
‫بالقاهرة في ذلك الدور المعز فالعزيز فالحاكم فالظاهر بالمستنصر حتى سنة ‪ 465‬هـ ‪-‬‬
‫‪1073‬م‪ .‬أما الدور الثاني فهو دور الاضمحلال والركود ‪ ،‬وفيه اتصفت دولة الفاطميين‬
‫بالضعف في الخارج والفتور والتدهور في الداخل‪ .‬ويشمل هذا الدور الجزء الأخير من‬
‫حكم الخليفة المستنصر ثم عهود الخلفاء الذين أعقبوه في الحكم ‪ ،‬وهم المستعلى‬

                                          ‫والآمر والحافظ والظافر والفائز والعاضد‪.‬‬

‫وإذا كان المعز هو أول الخلفاء الفاطميين في مصر ‪ ،‬فإن الحقيقة التي تواجهنا‬
‫هي أن الفترة التي قضاها في حكم مصر تبلذ العامين فقط على وجه التقريب ‪ ،‬على‬
‫حين أن بقية عهده الطويل البالذ أربعاً وعشرين سنة قضاها في المغرب‪ .‬وقد وصف‬
‫ابن خلكان الخليفة المعز بأنه كان عاقلاً ‪ ،‬حازماً ‪ ،‬سرياً ‪ ،‬أديباً ‪ ،‬حسن النظر في‬
‫النجابة ‪ ،‬كما وصفه أبو المحاسن بأنه كان عاقلاً حازماً أديبا جواداً ممدحاً فيه عدل‬

                                                                ‫وإنصاف للرعية ‪.‬‬

‫ومع قصر المدة التي قضاها المعز في مصر ‪ ،‬إلا أن كثيراً من التقاليد الخاصة‬
‫بالخلافة الفاطمية ‪ ،‬وخاصة فيما يتعلق بالاحتفالات بالأعياد والمواسم وإقامة الأسمطة‬

                                              ‫‪84‬‬
   79   80   81   82   83   84   85   86   87   88   89