Page 81 - تاريخ مصر الإسلامية 1 ثالثة ارشاد سياحى
P. 81
أنها ُسميت كذلك لأنه تم وضع أساسها عند طلوع كوكب القاهر .والمقريزي وأبو
المحاسن يرويان أن جوهر الصقلي أحضر المنجمين وأخبرهم أنه يريد بناء حاضرة
لسادته الفاطميين ،وأمرهم باختيار طالع سعيد يضمن خلود الملك في ذريتهم ،فاختار
المنجمون طالعاً لوضع الأساس وطالعاً لوضع السور .وجعلوا بدائر السور قوائم خشب
بين كل قائمين حبل به أجراس ،وقالوا للعمال :إذا تحركت الأجراس فارموا ما بأيديكم
من الطين والحجارة .وكان أن وقف يراب على حبل من تلك الحبال فتحركت الأجراس ودقت ،
وظن العمال أن المنجمين قد حركوها فألقوا الطين والحجارة وبدأوا العمل .وكان كوكب القاهر في
الطالع فسميت المدينة القاهرة .وقيل أن المريخ كان في الطالع – وهو قاهر الفلك – فسميت القاهرة.
ومهما يكن من أمر ،فإنه يبدو أن قصة الغراب هذه يير واقعية ،وهي من نوع
القص المتواترة في مصادر تاريخ العصور الوسطى ،والتي كانت تصادجف هوى
في نفوس المعاصرين وتتفق مع عقليتهم .ونستند في رأينا هذا إلى أن المسعودي
روى نفس قصة الغراب عن الإسكندر الأكبر عندما شرع في تأسيس مدينة
الإسكندرية ،مما يثبت أن المتأخرين نقلوها ولصقوها بجوهر وبناء القاهرة .وربما
كان أقرب إلى الصواب أن الخليفة المعز لدين الله الفاطمي اختار اسم القاهرة لحاضرته
الجديدة تيمنا بهذا الاسم لما فيه من إشارة إلى أن حاضرته ستقهر الحواضر السابقة
وإلى أن دولته ستكون هي الغالبة.
أما عن موقع القاهرة فهي تقع شمالي الفسطاط ،وكانت وقت إنشائها محدودة
المساحة ،تمتد من جامع الحاكم حتى باب زويلة ،وتحدها من الشرق جبال المقطم
ومن الغرب الخليج الكبير ومن الجنوب مدينة القطائع ،وتشغل قطعة من الأرض
مساحتها 340فداناً تقريباً .وأحاط بالقاهرة سور من اللبن بقيت آثاره حتى أيام
المقريزي ،وتخلل هذا السور ثمانية أبواب ،في كل جهة من جهاته الأربع بابان ،هي
من ناحية الشمال باب الفتوح وباب النصر ،ومن ناحية الجنوب باب زويلة وباب
الفرج ،ومن نحية الشرق باب القراطين – الذي سمي المحروق في بداية عصر
المماليك – وباب البرقية ،ومن ناحية الغرب باب سعادة وباب القنطرة.
هذه هي النواة التي وضعها جوهر الصقلي والتي نمت منها القاهرة الكبرى ذات
الاسم الخالد في التاريخ .ومن الوصف السابق يتضح أن النواة التي وضعها جوهر
كانت صغيرة ،تشمل أحياء الأزهر والجمالية وباب الشعرية والموسكي والغورية
وباب الخلق .ومعنى هذا أن القاهرة المعزية كانت بعيدة نسبياً عن النيل ،ولا ساحل
لها ،الأمر الذي جعل المعز – عندما قدم إلى مصر في أواخر سنة 362هـ 973 /م لا
يعجبه الموقع الذي اختاره جوهر لحاضرته الجديدة ،فقال له يا جوهر! فاتتك
عمارتها هاهنا! وأشار إلى المقس على النيل.
81

