Page 76 - تاريخ مصر الإسلامية 1 ثالثة ارشاد سياحى
P. 76

‫وكانت مصر في ذلك الدور تمر بمرحلة انتقال بين الدولتين الطولونية والإخشيدية‬
‫‪ ،‬وهي المرحلة التي عادت فيها مصر تحت الإشراف المباشر للخلافة العباسية ببغداد‪.‬‬
‫ويبدو أن عدم استقرار الأوضاع في مصر وجشع الولاة ‪ ،‬وسوء الأحوال الاقتصادية‬
‫نتيجة لتبذير خماروية ‪ ،‬كل ذلك جعل بع المصريين يتطلعون إلى الخلافة الفاطمية‬
‫في المغرب‪ .‬وبعبارة أخرى فقد كان للفاطميين في مصر أنصار يؤيدونهم ‪ ،‬وعلى‬
‫استعداد لتقديم كل معونة تمكنهم من يزو البلاد‪ .‬ويشير الكندي في صراحة إلى أن‬
‫جماعة من المصريين أرسلوا إلى الفاطميين في المغرب يستحثونهم على يزو مصر‪.‬‬
‫ثم يؤيد صحة هذا الرأي ما ذكرته المراجع من أن ذكا الرومي والي مصر من قبل‬
‫الخلافة العباسية (‪ 307 – 303‬هـ‪919 – 915 /‬م) بادر بالقيام بحركة تطهير ضد‬
‫أشياع الفاطميين ‪ ،‬فقب على كثير منهم وقطع أيدي بعضهم وأرجلهم ‪ ،‬وسجن‬

                                                                    ‫البع الآخر‪.‬‬

‫ومع ذلك لم تتوقف أطماع الفاطميين في مصر ‪ ،‬فأرسل المهدي جيشاً لغزوها سنة‬
‫‪ 307‬هـ ‪919 /‬م بقيادة ابنه أبي القاسم ‪ ،‬ونجح الفاطميون في الاستيلاء على‬
‫الإسكندرية وشقوا طريقهم إلى الجيزة حيث دارت معركة بينهم وبين خصومهم قتل‬

                                                     ‫فيها من الفريقين بضعة آلاف‪.‬‬

‫وعندئذ بادر الخليفة العباسي بإرسال مؤنس الخادم مرة أخرى لطرد الفاطميين‬
‫الذين كانت جيوشهم قد بلغت الفيوم ‪ ،‬فنجح مؤنس في مهمته ‪ ،‬ومنى الجيش الفاطمي‬

                                                                   ‫بخسائر فادحة‪.‬‬

‫أما الحملة الفاطمية الثالثة على مصر فقد استمرت نحواً من ثلاث سنوات (‪– 321‬‬
‫‪ 324‬هـ‪936 – 933 /‬م) ‪ ،‬تخللها صلح سنة ‪ 322‬هـ‪934 /‬م بين حبشي بن أحمد –‬
‫قائد الجيش الفاطمي الذي رابط عند الجيزة – وخصومه ‪ ،‬ولكن هذا الصلح لم ينفذ ولم‬
‫يدم طويلاً ‪ ،‬فاستمرت المعارك دائرة بين الطرفين‪ .‬وفي ذلك الدور على وجه التحديد‬
‫ولي الإخشيد إمرة مصر ‪ ،‬فأنزل الهزيمة بالجند المغاربة ‪ ،‬الذين استنجدوا بالخليفة‬
‫القائم بأمر الله الفاطمي ‪ ،‬فأمدهم بجيش كبير نجح في الاستيلاء على الإسكندرية سنة‬
‫‪ 324‬هـ ‪936 /‬م‪ .‬ولكن الإخشيد أرسل جيشاً كبيراً بقيادة أخيه الحسن بن طغج وقائده‬
‫صالح بن نافع ‪ ،‬فانهزم المغاربة في البحيرة سنة ‪ 324‬هـ ‪936 -‬م وولوا الأدبار‬

                                                                      ‫صوب برقة‪.‬‬

‫ويبدو أن الفاطميين في شمال إفريقية شغلوا بعد ذلك بمشايلهم الداخلية فترة من‬
‫الزمن ‪ ،‬فلم يقوموا بمحاولة لفتح مصر في بقية عهد القائم وطوال عهد المنصور‬
‫الفاطمي (‪ 341 – 334‬هـ ‪952 – 945 /‬م)‪ .‬ولكن عدم قيام الفاطميين بمحاولة‬
‫حربية للاستيلاء على مصر في تلك الفترة ليس معناه أنهم صرفوا النظر كلية عنها ‪،‬‬

                                              ‫‪76‬‬
   71   72   73   74   75   76   77   78   79   80   81