Page 79 - تاريخ مصر الإسلامية 1 ثالثة ارشاد سياحى
P. 79

‫الرأي للمشورة ‪ ،‬واستقر رأي الجميع على مفاوضة جوهر الصقلي حول شروط‬
‫التسليم والصلح‪ .‬وظهر بعد نظرهم عندما اختاروا على رأس وفد المفاوضة أحد‬
‫الأشراف من سلالة الحسين بن على رضي الله عنهما ‪ ،‬هو الشريف أبو جعفر مسلم بن‬

                                                                         ‫عبيد الله‪.‬‬

‫والواقع إن الأمر لم يكن في حاجة إلى مفاوضات طويلة ‪ ،‬لأن العملية كانت عملية‬
‫استسلام أكثر منها أي شئ آخر ‪ ،‬فالتقى الطرفان في تروجه – بالبحيرة – ومنح‬
‫جوهر الصقلي أهل مصر أمانا وعهداً بأن يترك لهم على اختلاف أديانهم ومذاهبهم‬
‫حرية العقيدة الدينية ‪ ،‬وأن يصلح أحوال البلاد ‪ ،‬ويحمي أرواح العباد ‪ ،‬وينشر العدل‬
‫ويمنع الظلم ‪ ،‬ولكم على الوفاء بما التزمته ‪ ،‬وأعطيتكم إياه ‪ ،‬عهد الله ‪ ،‬ويليظ‬
‫ميثاقه وذمته ‪ ،‬وذمة أنبيائه ورسله ‪ ،‬وذمة الأئمة موالينا أمراء المؤمنين قدس الله‬

     ‫أرواحهم ‪ ،‬وذمة مولانا وسيدنا أمير المؤمنين المعز لدين الله ‪ ،‬صلوات الله عليه‪.‬‬

‫وعندما عاد الوفد بهذا الأمان إلى الوزير ابن الفرات بالفسطاط ‪ ،‬تجمع الناس‬
‫للوقوف على نتيجة المفاوضات ‪ ،‬فقرأ الوزير العهد المشار إليه على عامة الناس‪.‬‬
‫وكما يحدث عادة في التاريخ في مثل هذه المواقف لابد وأن يرتفع صوت للمعارضة ‪،‬‬
‫فظهر انقسام بين الناس والجند ‪ ،‬ما بين مؤيد للفاطميين يرى فتح أبواب البلاد لهم ‪،‬‬
‫ومعارض يرى ضرورة مقاومة جوهر الصقلي وجنوده والعمل لطردهم من البلاد فما‬

                                                     ‫بيننا وبين جوهر إلا السيف ‪.‬‬

‫ولم يلبث أن وصل جوهر على رأس جيشه إلى الجيزة ‪ ،‬ونجح في عبور النيل ‪،‬‬
‫ريم المقاومة الضعيفة التى يصادفها ‪ ،‬ولم يقوا الجند الإخشيديين على الصمود ‪ ،‬فقتل‬
‫بعضهم وفر البع الآخر حاملين ما استطاعوا حمله من الأموال والمتاع ‪ ،‬وعندئذ لم‬
‫يجد الأهالي بداً من الاستعطاف وطلب الأمان ‪ ،‬فهرعوا مرة أخرى إلى الشريف أبي‬
‫جعفر ‪ ،‬وطلبوا منه التوسط عند القائد جوهر لإعادة الأمان‪ .‬وكان أن استجاب جوهر‬
‫مرة أخرى لطلب الناس ‪ ،‬وأمر جنده بالكف عن القتل والسلب ومنع الاعتداء على‬

                                                        ‫أرواح الأهالي وممتلكاتهم‪.‬‬

‫وهكذا تم الفتح الفاطمي لمصر سنة ‪ 358‬هـ ‪969 /‬م وهدأت الأمور ‪ ،‬بحيث لم‬
‫يتعد الأمر إحلال حاكم محل آخر ‪ ،‬وأسرع الوزير جعفر بن الفرات والأشراف والقضاة‬

          ‫والتجار والأعيان إلى جوهر الصلقي يهنهونه بسلامة الوصول ونجاح الفتح‪.‬‬

‫ولاشك في أن نجاح الفاطميين في فتح مصر كان نقطة تحول خطيرة بالنسبة‬
‫لتاريخ مصر والخلافة العباسية ‪ ،‬والشرق الأدنى عامة‪ .‬أما بالنسبة للدولة الفاطمية‬
‫فيعتبر فتح مصر بمثابة مولد جديد لهذه الدولة ‪ ،‬ففي مصر بالذات شهدت هذه الدولة‬

                                              ‫‪79‬‬
   74   75   76   77   78   79   80   81   82   83   84