Page 77 - تاريخ مصر الإسلامية 1 ثالثة ارشاد سياحى
P. 77

‫إذ ظلوا دائماً ينظرون بعين إلى شهون المغرب لتثبيت أقدامهم ‪ ،‬ويتطلعون بالعين‬
‫الأخرى صوب الشرق‪ .‬وإذا كانوا قد اضطروا فترة قصيرة إلى وقف جهودهم الحربية‬
‫ضد مصر فإنهم حرصوا في تلك الفترة ذاتها على استخدام أساليب السياسة في تحقيق‬
‫أيراضهم‪ .‬ويذكر ابن سعيد أن الخليفة القائم الفاطمي (‪ 334 – 322‬هـ‪– 934 /‬‬
‫‪945‬م) كتب بيده رسالة خاصة ‪ ،‬وأرسلها مع رسول إلى محمد الإخشيد ‪ ،‬يستميله‬
‫ويسترضيه ‪ ،‬ويحاول اكتسابه إلى جانبه فقد شهد الله على ميلي إليك وإيثاري لك ‪،‬‬
‫وريبتي في مشاطرتك ما حوته يمينى واحتوى عليه ملكي ‪ ...‬ولم يشأ الإخشيد أن‬
‫يقطع برأي ‪ ،‬ويتعجل في الرد على الخليفة الفاطمي بالقبول أو الرف ‪ ،‬لاسيما وأن‬
‫الإخشيد كانت له أطماعه الخاصة ‪ ،‬وأراد أن يعمل لحسابه الخاص لا لحساب الخليفة‬
‫العباسي في المشرق أو الفاطمي في المغرب‪ .‬ويبدو أن الإخشيد عندما ساءت العلاقة‬
‫بينه وبين الخلافة العباسية بسبب أزمة ابن رائق – كما مر بنا – فكر في قطع صلته‬
‫بالخلافة العباسية ‪ ،‬على أن يدعو للخليفة الفاطمي ‪ ،‬ولكن بع مستشاريه نصحوه‬

               ‫بعدم التعجل في تنفيذ هذه الفكرة ‪ ،‬وقالوا له دع هذا إلى وقت آخر! ‪.‬‬

‫ولم تلبث أن عادت المياه إلى مجاريها بين محمد بن طغج الإخشيد من ناحية‬
‫والخلافة العباسية من ناحية أخرى‪ .‬وبعد وفاة الإخشيد استأنف كافور سياسية‬
‫المحافظة على العلاقة الطيبة مع الخلافة العباسية‪ .‬ويبدو أن كافور كان أكثر إحساساً‬
‫بالخطر الفاطمي على مصر ‪ ،‬وخاصة وسط المشاكل الداخلية والخارجية العديدة التي‬
‫واجهته ‪ ،‬فحرص على مسالمة الفاطميين واسترضائهم ‪ ،‬مما جعل سياسته الخارجية‬
‫تتصف بقدر من الدهاء والعمل على حفظ التوازن بين النفوذ العباسي والنفوذ الفاطمي‪.‬‬
‫وللمؤرخ أبي المحاسن عبارة شهيرة يصف فيها كافور بأنه كان خبيراً بالسياسية ‪،‬‬
‫فظنا ذكيا جيد العقل ‪ ،‬داهية‪ .‬كان يهادي المعز صاحب المغرب ويظهر ميله إليه ‪ ،‬وكذا‬

        ‫يذعن بالطاعة لبنى العباس ‪ ،‬ويدارى ويخدع هؤلاء وهؤلاء ‪ ،‬وتم له الأمر ‪.‬‬

‫ولكن كافور لم يكن وحده من أهل السياسية ‪ ،‬وإنما كان الفاطميون لا يقلون عنه‬
‫ذكاء ودهاء ‪ ،‬فأرسلوا دعاتهم سراً إلى مصر لنشر الدعوة لهم ‪ ،‬وأخذ البيعة من‬
‫زعماء البلاد ورهساء الجند للخليفة المعز لدين الله الفاطمي‪ .‬وعندما أدرك الخليفة‬
‫المعز أن الكمثرى نضجت ولا تحتاج سوي إلى جهد يسير لتسقط ينيمة باردة ‪ ،‬انتهز‬
‫فرصة القحط والغلاء الذي ساد مصر في زمن كافور ‪ ،‬وخرج المعز بنفسه إلى حدود‬
‫مصر الغربية وأويل فيها حتى بلذ الواحات ‪ ،‬ولكن كافور أرسل جيشاً رده على‬
‫أعقابه‪ .‬هذا وإن كان كافور قد تلقى بالقبول الدعاة الفاطميين الذين قدموا عليه من قبل‬

   ‫المعز ‪ ،‬ووعد كثير من كبار رجال الدول الإخشيديين بتقديم الولاء للخليفة الفاطمي‪.‬‬

                                              ‫‪77‬‬
   72   73   74   75   76   77   78   79   80   81   82