Page 78 - تاريخ مصر الإسلامية 1 ثالثة ارشاد سياحى
P. 78
دخول الفاطميين مصر
.....................................
وأخيراً توفى كافور سنة 357هـ 968 /م ومصر تمر بدور من أحلك أيام تاريخها
،بسبب انخفاض النيل واستمرار القحط واشتداد الغلاء وكثرة الموتى ،الذين عجز
الناس عن تكفينهم حتى اضطروا إلى إلقاء جثتهم في النيل .ولم يستطع الوزير جعفر
بن الفضل بن الفرات أن يعالج المتاعب الداخلية أو يواجه الأخطار الخارجية التي
هددت مصر من جانب القرامطة في الشام والنوبيين في الجنوب ،فغرقت مصر في
بحر لجي من الفوضى والاضطراب.
وفي ذلك الدور بالذات شاءت الظروف أن تهدأ الأمور للخليفة المعز لدين الله
الفاطمي في المغرب ،فخضعت له البلاد ودانت له العباد .وهكذا أحكم التاريخ خطته
وفرض حكمه ،فكان على المعز أن يستفيد من إمكانياته ،وأن يستغل الظروف
القاسية التى تمر بها مصر ،ليحقق الحلم الكبير .ويقال أن المعز أخذ يستعد منذ سنة
356هـ 967 /م ليضرب ضربته الكبرى ،فقام بإنشاء الطرق وحفر الآبار وإقامة
المنازل والمحطات للاستراحة ،على طول الطريق من برقة حتى مشارف الإسكندرية.
وفي الوقت نفسه نشطت أبواق الدعاية للفاطميين في وادي النيل ،وأرسل الخليفة
المعز إلى دعاته بمصر أعلاما ورايات ،أمرهم أن يوزعوها على من يبايع الخليفة
الفاطمي من جند مصر ،ينشروها على الم وقت دخول الجيش الفاطمي أرض الكنانة.
ويبدو أن أهل مصر لم يكونوا في حاجة إلى كثير من الدعاية ،بعد أن استبد بهم
الضيق وصاروا يتطلعون إلى تغيير – أي تغيير – عسى أن يكون فيه صلاح أحوالهم.
وتثير جميع الشواهد التاريخية إلى أن استعداد الخليفة المعز كان ضخماً في تلك
المرة ،فأنفق على الحملة أربعة وعشرين مليون دينار ،وعهد بقيادة تلك الحملة إلى
قائده جوهر الصقلي .وخرج الخليفة بنفسه لتوديع جيشه في شهر ربيع الآخر سنة
358هـ /فبراير 969م ،فقبل جوهر يد الخليفة وسجد على الأرض ليقبل حافر فرسه
،ثم سار في طريقه صوب الإسكندرية .وفي الوقت الذي زحف الجيش الفاطمي براً ،
أبحرت في البحر بع القطع البحرية من الأسطول الفاطمي بحذاء الجيش لتساعده
وتحمي مسيرته من ناحية البحر .وهكذا تقدمت القوات الفاطمية في نظام محكم يدعو
إلى الإعجاب ،حتى وصلت الإسكندرية واحتلتها فعلاً دون مقاومة.
وأخيراً أفاق الوزير جعفر بن الفرات ،وأدرك أنه لا حول له ولا قوة أمام الغزو
الجديد ،وأن الخلافة العباسية أضعف وأبعد من أن تنجده ،فجمع وجوه القوم وأهل
78