Page 127 - merit 49
P. 127

‫بمع َّية هذا السعي المحموم‬                                    ‫وبمعيَّة هذا السعي المحموم لاكتشاف‬
    ‫لاكتشاف الآخر‪ ،‬وعن طريق الحركة‬                                     ‫الآخر‪ ،‬وعن طريق الحركة العكسيَّة نحو‬

       ‫العكس َّية نحو الداخل‪ ،‬لاستكناه‬                                    ‫الداخل‪ ،‬لاستكناه حقيقة هو َّية الذات‬
     ‫حقيقة هو َّية الذات بعد مواجهة‬                                     ‫بعد مواجهة مجموعة من الصوادم من‬
     ‫مجموعة من الصوادم من الأفعال‬                                        ‫الأفعال والصور والخطابات في المكان‬

         ‫والصور والخطابات في المكان‬                                         ‫الجديد‪ ،‬تكتشف الذات المرتحلة أ َّن‬
       ‫الجديد‪ ،‬تكتشف الذات المرتحلة‬                                       ‫معرفتها بنفسها لم تكن كاملة‪ ،‬وإنما‬
                                                                       ‫كانت معرفة قاصرة وناقصة ومش َّوهة‬
          ‫أ َّن معرفتها بنفسها لم تكن‬                                  ‫في آن م ًعا‪ ،‬ولم يتضح لها ذلك إلا حينما‬
      ‫كاملة‪ ،‬وإنما كانت معرفة قاصرة‬                                     ‫واجهت الآخر واتصلت به‪ .‬وهذا يعني‬
    ‫وناقصة ومش َّوهة في آن م ًعا‪ ،‬ولم‬                                    ‫أ َّن الارتحال وما يصاحبه من تجارب‬
       ‫يتضح لها ذلك إلا حينما واجهت‬                                   ‫واكتشافات يجلو لنا أ َّن «ما يتش َّكل لدينا‬
                                                                          ‫من صور لذاتنا أو للآخرين لا تكون‬
                          ‫الآخر‪ ‬واتصلت‪ ‬به‬                              ‫دائ ًما وفي جميع الحالات نقيَّة ومحددة‪،‬‬
                                                                       ‫بل غالبًا ما يختلط فيها الواقعي بالمثالي‪،‬‬
 ‫التعاطي المتقابل بين مكونات الذات ومكونات الآخر‬                      ‫ويتداخل فيها الداخلي (أي رؤيتنا لحقيقة‬
  ‫أكثر وأوضح‪ ،‬حينما تتيح تجربة الارتحال تلاقي‬                          ‫أنفسنا) بالخارجي (أي ما نريد إظهاره‬
                                                                          ‫للآخرين من صفات خاصة بنا)»(‪.)3‬‬
‫الذات والآخر بوصفهما الذات والآخر حقيق ًة‪ ،‬وليس‬                            ‫ومن جهة أخرى يجلو لنا الارتحال‬
   ‫بوصفهما صورة لهما قائمة على الوهم والتخ ُّيل‪،‬‬            ‫وتوابعه أ َّن صورة الآخر قد تتش َّكل في مخيالنا «من‬
     ‫لتكتشف الذات في نهاية المطاف من مجمل ذلك‬                   ‫عناصر انتقائيَّة هي ما نريد أن نثبتها في أذهاننا‬
                                                             ‫عن هذا الآخر‪ ،‬في حين تغيب عنها عناصر أخرى لا‬
 ‫التلاقي والتقابل والتفاعل أ َّن الآخر يمكن أ ْن يكون‬        ‫نراها أو لا نريد رؤيتها أو الاعتراف بها»(‪ .)4‬أي أ َّن‬
 ‫«عنص ًرا مك ِّو ًنا لهو َّية الذات وشر ًطا لغناها وتقدمها‬     ‫الذات ‪-‬في تجربة الارتحال‪ -‬تتجاوز الرؤية التي‬
‫إلى درجة يصح معها أ ْن يقال إن رفض الآخر ]كليًّا[‬               ‫بنتها للآخر عن بعد‪ ،‬فتراه على حقيقته أو قريبًا‬
                                                              ‫ج ًّدا من حقيقته‪ ،‬بعد أن تفيد من الاحتكاك المباشر‬
   ‫يعادل موت الذات»(‪ .)6‬وبعد تجارب عديدة يكون‬                  ‫به دونما وسيط آخر‪ ،‬لتتولد من ج َّراء ذلك صور‬
   ‫طرفاها الذات والآخر تصل هذه الذات إلى حقيقة‬                 ‫وتمثيلات جديدة لك ٍل من الذات والآخر تؤدي إلى‬
    ‫واقعة هي إدراكها أ َّنها ليست «جوه ًرا متجان ًسا‬             ‫اكتشاف الصورة المنقوصة للذات وللآخر على‬
‫وغريبًا بشكل جذري عن كل ما ليس هو»(‪ ،)7‬وعليها‬                    ‫ح ٍّد سواء‪ .‬ولا ش َّك في أ َّن مثل هذا التحاور بين‬
  ‫أ ْن تعيد النظر في المواقف كلها التي تتعلق بالعلاقة‬          ‫معطيات الذات ومعطيات الآخر يك ِّرس التفاعل في‬
                                                                 ‫عملية تشكيل صورة الذات والآخر الجديدتين‪،‬‬
                               ‫بينها وبين الآخر‪.‬‬                 ‫أي أ َّن «صورتنا عن ذاتنا لا تتك َّون بمعزل عن‬
   ‫ومن هذا المفهوم كان اكتشاف (هند) بطلة رواية‬              ‫صورة الآخر لدينا‪ ،‬كما أ َّن كل صورة للآخر تعكس‬
 ‫(بروكلين هايتس‪ )8()2010 /‬لـ(ميريال الطحاوي)‬                     ‫‪-‬بمعنى ما‪ -‬صورة الذات»(‪ .)5‬وهو الأمر الذي‬
 ‫ذا طبيعة نفسيَّة‪ -‬حضار َّية لا يخلو من رعب وفزع‬             ‫تؤكده تجربة الاكتشاف وحالة التق ِّصي الواعية أو‬
   ‫وتو ُّجس‪ ،‬فقد كانت (هند) قبل أ ْن تخوض تجربة‬
‫الارتحال إلى (أمريكا) تعتقد أ َّنها لا تشبه أح ًدا‪ ،‬وتعد‬                                        ‫غير الواعية‪.‬‬
    ‫شخصيتها شخصيَّة استثنائيَّة بما تتضمنها من‬                  ‫ومن المؤكد أ َّن هنالك جملة من العمليات تو ِّضح‬
 ‫سلبيات وإيجابيات‪ ،‬وترى أ َّنها شخصيَّة لا تتكرر‪،‬‬                ‫حالة التفاعل بين صورة الذات وصورة الآخر‪،‬‬
  ‫وتبين عن سواها من النساء‪ .‬وكانت (هند) تسعى‬                ‫سواء أكانت في مركز الـ(نحن) أم في مركز الـ(هم)‪،‬‬
                                                              ‫بيد أ َّن تجربة ارتحال الذات إلى الآخر تو ِّضح ذلك‬
   122   123   124   125   126   127   128   129   130   131   132