Page 123 - merit 49
P. 123

‫نون النسوة ‪1 2 1‬‬

‫صحيحة وغير واعية‪ ،‬وكيف أن الغرب يستثمر‬                                     ‫يشكل الخوف من القادم شعو ًرا منطقيًّا يهاج ُم‬
                                                                          ‫كل هؤلاء الذين تركوا أوطانهم‪ ،‬بسبب الظروف‬
‫ما موجود عندنا بد ًءا من منجزاتنا التاريخية التي‬                          ‫المختلفة‪ ،‬ولأ َّن كاتبة مثل (ميرال الطحاوي) تهتم‬
‫لا نعي أهميتها‪ ،‬بوص ِفها لصاحب المطعم المجاور‬                             ‫بالجانب النفسي‪ ،‬فقد تع َّمدت الاهتمام بتفاصيل‬
‫لشق ِة هند في ذلك الشارع‪ ،‬وهو يضع رمو ًزا‬
‫تاريخية من تاريخ مصر على يمينه وشماله «يجلس‬                                 ‫شخصياتها الروائية على المستوى النفسي‪ ،‬لذا‬
                                                                          ‫ص َّورت شعور هذه الشخصيات وهي تحاول أن‬
‫أمام مطعمه على كرسي خشب ضخم‪ ،‬يضع عن‬
‫يمينه تمثا ًل خشبيًّا لتوت عنخ آمون‪ ،‬وعن يساره‬                             ‫تجد لنفسها ما يناسب إمكانية مقاومة الشعور‬
‫تمثا ًل خشبيًّا مماث ًل في اللون والحجم للملكة‬                                 ‫بالغربة‪ ،‬لا سيما في بداية المشوار‪ ،‬وهذا ما‬
‫كليوباترا»(‪ ،)23‬لتستمر في تصوير أثر الثقافة‬
                                                                             ‫حدث مع هند التي كانت «تريد أن ترى حظها‬
‫الأيديولوجية في تشكيل تلك الأزمة الناتجة عن‬                                ‫في شيء»(‪ ،)20‬لذا مهما راودها الشعور بالحنين‬
                                                                            ‫والشوق أو الخوف من القرار الخاطئ؛ أقنعت‬
‫عدم الشعور بالانتماء‪ ،‬فثقافة التمييز العنصري‬
                                                                              ‫نفسها بأ َّنها ستنجح‪ ،‬وأن ُحلمها في الشهرة‬
‫والديني والقومي‪ ،‬وما ينت ُج عنها من حروب‪ ،‬تعد‬                            ‫والكتابة سيتحقق‪ ،‬فها هي تصفها بقولها «تجلس‬
  ‫سببًا رئي ًسا في ذلك‪ ،‬وهذا ما رسمته الكاتبة في‬
   ‫باقي شخصيات الرواية‪ ،‬كشخصية (نزاهات)‬                                       ‫على طاولة كتب عليها (تعلم الإنكليزية‪ ،‬وإلى‬
                                                                         ‫جوارها لوحة رمادية لوجه آينشتاين‪ُ ،‬كت َب تحتها‬
‫البوسنية التي هربت من الحرب بعد أن ضاقت بها‬                              ‫(آينشتاين أي ًضا كان لاجئًا) تترك وجه هيمنغواي‬
                                                                         ‫الذي كان أي ًضا لاجئًا»(‪ .)21‬لذا كلما شعرت بضيق‬
‫الأمكنة «هربت منذ سنوات من البوسنة‪ ،‬تخرج‬                                ‫الأمكنة وعدم القدرة على التكيف‪ ،‬كما في ردة فعلها‬
                                                                        ‫عندما شعرت بعدم الراحة‪ ،‬إذ أخذت طفلها وقررت‬
‫من جيبها بطاقة ُتثبت أنها كانت تعمل طبيبة في‬                            ‫أن «تمشي كثي ًرا لأن اليوم يوم عطلتها الاسبوعية‪،‬‬
‫بوسنيا»(‪ ،)24‬ولأ َّن الرواية تشخص ظاهرة تشترك‬
    ‫فيها أسبا ُب ع َّدة فيها‪ ،‬فهي لا تنح ِص ُر على بل ٍد‬                      ‫تمشي لأن الغرفة التي تسكنها مقبضة»(‪.)22‬‬
                                                                           ‫تعمد ميرال الطحاوي في تلك الرواية التي تبيان‬
‫واحد‪ ،‬لذا تعم ُد الكاتبة إلى تع ُّد ِدية شخصياتها التي‬
‫راحت تكر ُه ماضيها بسب ِب ما م َّرت ب ِه من ظروف‪،‬‬                            ‫رسائل متعددة‪ ،‬تبين فيها آليات الفكر في تلك‬
 ‫محاول ًة الانغماس في تلك المجتمعات الجديدة بحثًا‬                           ‫البلدان‪ ،‬كيف ترسم استراتيجياتها بطرق غير‬
‫عن الهوية‪ ،‬كما في قولها على لسا ِن شخصية‬

‫الرواية الرئيسة‪ :‬شباب من بورما وأفغانستان‬
 ‫«لا يتشاركو َن ِق َص َص ُهم القديمة‪ ،‬لأ َّنهم يودون‬
‫نسيانها أو مح ِوها والتصدي ِق بأ َّنهم رعايا‪ ،‬وبعد‬

‫سنوات سيصيرون مواطنين أميريكيين‪ ،‬يشبهون‬

‫كل الذين يجولون في الشوارع‪ ،‬ولا يسأل أح ٌد‬
‫من أين جئتم»(‪ ،)25‬فها هي شخصية (عبدول) من‬

‫أفغانستان شخصية تحاول إنكار ماضيها وهويتها‬

‫خو ًفا من طردها أو محاسبتها لأ َّنها تنتمي إلى‬

‫ِمم َّمجنتميعقايتمهومنمفيصبدل ًراا ِدلاللتهطرجرةف‪،،‬‬  ‫يعدونها في‬  ‫بلدان‬
                                                     ‫حال الكثير‬  ‫وهذا‬

‫وهذا ما ُتخبر به هند في حديثها عن عبدول «يتطوع‬
 ‫عبدول بشر ِح حكايته التي تعرف أنها ُمل َّفقة‪ ،‬لأ َّن‬
  ‫كل الذين يفتحون أفواه ُهم هنا يكذبون‪ُ ،‬يدارو َن‬
‫بالكذب أشياء لا يريدون أن يعرفها أحد‪ ،‬ويدفنون‬

‫الحقيقة بعي ًدا‪ ،‬أبع َد من أن يراها مخلوق»(‪،)26‬‬
‫وهناك من يؤمن بضرورة هذا الانغماس ومحاولة‬
   118   119   120   121   122   123   124   125   126   127   128