Page 119 - merit 49
P. 119

‫نون النسوة ‪1 1 7‬‬

                                                                                 ‫الارتباط‪ ،‬فالمكان «يحي ُط‬
                                                                                 ‫الإنسان بوجود ِه في‬

                                                                                 ‫حين يحيط به الإنسان‬

                                                                                 ‫بوعيه»(‪ ،)4‬لذا يكون‬

                                                                                 ‫الوعي الذي ُيح ِّدد ذلك‬
                                                                                 ‫التق ُبل أو النفور مفس ًرا‬

                                                                                    ‫بمدى وعي الإنسان‬
                                                                                 ‫للمكان بطريق ٍة إيجابي ٍة‬

                                                                                 ‫أو سلبية‪ ،‬ف ُيصبح المكان‬
                                                                                  ‫نتا ًجا لتلك المخيلة التي‬
                                                                                  ‫تنتج الصورة النهائية‪،‬‬

                                                                                 ‫فيكون الإنسان أسير‬

                                                                                 ‫تلك الصور أو تلك‬

                                                                                 ‫المساحة‪ ،‬وهنا يمنح المكان‬

                                                                                 ‫«الإنسان هويته ويحدد‬

‫ليزا مانلي‬  ‫إرنست همينجواي‬                               ‫أ ْل ِب ْرت أي ْنشتاين‬   ‫تصرفاته ويبين نمط‬
                                                                                 ‫حياته وطريقة تفكيره‪،‬‬

      ‫الأدبية‪ ،‬لاسيما الروائية التي تنقل لنا الواقع‬                              ‫وتحولاته تجاه ما يحيط‬
 ‫بطريق ٍة تصويري ٍة أدبية عن طريق شخوصها التي‬
                                                         ‫به»(‪ ،)5‬فموضوع الانتماء والهوية يتعلقان بمدى‬
    ‫تمثل ذلك الشعور الإنساني وتترجمه‪ ،‬ف ُتترجم‬
     ‫لنا الشعور الوجداني تجاه الأمكنة وسطوتها‪،‬‬           ‫سطوة المكان الذي ننتجه بأنفسنا لنجعل منه مكا ًنا‬
   ‫لذا «تتع َّقد علاق ُة الشخصيات بمنازلها‪ ،‬وتتنوع‬       ‫أو ألي ًفا‪ ،‬ومدى تأثيره وتأثره‪ ،‬فالمكان «شأنه شأن‬

   ‫بتنو ِع الأزمنة الذاتية‪ ،‬لذا فإ َّن الغالب على علاقة‬  ‫ما تقع عليه معرفتنا الحسية والعقلية‪ ،‬هو جزء من‬
  ‫الشخصيات بمنازلها صفة التذبذب التي تتراوح‬
                                                         ‫الأشياء التي نحسها‪ ،‬إ َّننا لا نحس أو نتعقل الأشياء‬
       ‫بين نفو ٍر وحب‪ ،‬بين الاحتماء بها والهروب‬           ‫وحدها بل نتح َّس ُسها ونعقلها َك ُكل في شخوصها‬
                                                         ‫وفي علاقتها مع الأشياء الأخرى وفي زما ٍن ومكا ٍن‬
    ‫منها‪ ،‬ففي لحظات السعادة تتآلف الشخصيات‬               ‫لها»(‪ ،)6‬وعلى هذا الأساس يكون المكان عام ُل جذ ٍب‬

 ‫بالأماكن‪ ،‬وفي لحظات البؤس تضط ُر إلى مغادرتها‬           ‫أو نفور‪ ،‬بحسب إحساس الإنسان ومشاعره‬
    ‫والتن ُّك ِر لها»(‪ ،)9‬وهذا يعتمد على دور الكاتب في‬   ‫وميوله‪ ،‬فتتح َّدد أُلف ُة الإنسان أو العداء‪ ،‬لذا تم‬
                                                         ‫تقسيم المكان إلى الأليف والمُعادي‪ ،‬ليكون الأليف‬
  ‫رسم الإطار العام لعمله‪ ،‬والذي يعتمد بدوره على‬          ‫«المكان الذي مارسنا فيه أحلام اليقظة وتش َّك َل فيه‬

  ‫مدى قناعته وشعوره‪ ،‬إذ «تتعمق صورة المكان‪/‬‬              ‫خيالنا»(‪ ،)7‬وعلى العكس عندما يتحول المحيط الى‬

   ‫الهوية عندما يتحول الفضاء إلى وطن حقيقي له‬            ‫أمكنة ُمغلقة لا يشعر الإنسان فيها بالاطمئنان «إذ‬
                                                           ‫يشعر نحوها بالعداء‪ ،‬وهذه الأمكنة إما أن يقيم‬
‫مرجعيات ُه الجغرافية والواقعية‪ ،‬وينتمي إليه الكاتب‬
  ‫أو الشخصيات ضمن تجرب ٍة حياتية معتمد ًة على‬            ‫فيها الإنسان مرغ ًما كالسجون والمعتقلات أو أن‬
  ‫ذاكرة حية»(‪ ،)10‬وعلى هذا الأساس تتشكل الرؤى‬                  ‫خطر الموت يكمن فيها لسب ٍب او لآخر»(‪.)8‬‬
 ‫الكتابية وتختلف ما بين مبد ٍع وآخر‪ ،‬وهو ُيصور‬
     ‫لنا ذلك الواقع على لسا ِن وسلو ِك شخصياته‪،‬‬          ‫لطالما اقترنت حالة الانتماء للأوطان بصفتها‬

  ‫فهناك شخصيات «تعيش في هذه الأماكن تتلاحم‬               ‫أماكن تتحقق فيها هوية الفرد بما ُتقدمه وما‬
‫معها‪ ،‬وتندمج فيها‪ ،‬تحس ب ُألفتها‪ ،‬وث َّمة شخصيات‬             ‫تمن ُحه‪ ،‬وهنا تتشكل عوامل الانتماء والهوية‪،‬‬
                                                         ‫التي تح َّدث عنها أغلب ال ُأدباء وال ُكتَّاب في أعمالهم‬
   114   115   116   117   118   119   120   121   122   123   124