Page 120 - merit 49
P. 120
العـدد 49 118
يناير ٢٠٢3
تتجاوز سلبيتها فتنفر من أماك َن معينة و ُربما
تعاديها»( ،)11وهذا يتوقف على مقدرة الكاتب ووعي ِه
وموضوعيت ِه في رص ِد ُمحي ِطه ،والسبب في ذلك
يعود إلى أ َّن «وعي الكائن بأهمي ِة المكان ليس ،في
الحقيقة ،إلا شك ًل من أشكا ِل وعيه بذاته ،وهذا
الوعي لا ُيمكن أن ين َض َج و ُيث ِمر إلا عبر مجابه ِة
الكائن لمُحيط ِه الخاص ،وبالتالي لمكنونات ذاته،
فمواجه ُة الذات هي المواجهة الحاسمة في حيا ِة
الكائن ،وبخاصة عندما يكون مبد ًعا»(.)12
تبحث رواية (بروكلين هايتس) للكاتبة ميرال
الطحاوي في تلك الظاهرة ،التي تمثل المكان الذي
يفرض سطوته وما ينتج عن ذلك من أزم ٍة في
الهوية ،عن طري ِق شخصياتها على نح ٍو عام
وشخصية (هند) الشخصية الرئيسة على نح ٍو
خاص ،متمث ًل هذا المكان بالبيت انطلا ًقا إلى البيئة
العامة التي تعي ُش فيها الشخصيات وهي البلد
أو الوطن ،وقد تع َّمدت الروائية تحميل الرواية
أنساق ثقافية بيَّنت فيها المُسببات الرئيسة في
تلك الأزمة المكانية المنتجة لأزمة الهوية ،بد ًءا من
الذات وصو ًل إلى الانتماء ،بحكم بعض الأعراف
والتقاليد الاجتماعية ،فض ًل عن بعض الأفكار
الدينية والسياسية المتطرفة التي أنتجت مجتمعا ٍت
مضطرب ٍة ومفككة ،تفتقر للهوية الوطنية الحقيقية،
أو ما نتج عنها من حرو ٍب أسهمت في دفع الكثير
من الناس إلى طلب الهجرة ،وترك أماكنها وأوطانها
خو ًفا من الموت.
ُتش ِّكل الشخصية الرئيسة في العمل الروائي البؤرة
التي تتجمع عندها أفكار الرواية وموضوعاتها التي
تهدف إلى حلول معينة ،وهذا ما وظفت ُه الروائية
في عملها ،إذ جعلت من هند شخصيتها الرئيسة
التي بدأت أزمتها من البيت ،كي تصور السبب
الفاعل في تشكيل أزمة الذات والهوية ،وما يمكن أن
يترك ُه النظام الأسري من أخطا ٍر على طبيعة الفرد،
ليتحول المكان الذي ينشأ فيه الإنسان إلى مكا ٍن
طارد ينفر من ُه ويبحث عن خلاصه عنوة ،وهذا
ما بدا مع هند التي راحت تتذكر تلك الطفولة التي
عاشتها في بيت والدها ،وطريقة تعامل أمها معها،
لتخبر أن مكان طفولتها كان سببًا في أزمة الهوية
لديها ،وعدم شعورها بالانتماء «تصرخ في وجه