Page 122 - merit 49
P. 122

‫لا مفر من الأمكنة وأثِرها في أزمة‬
                                                             ‫الهوية والشعور بالانتماء‪ ،‬فالمكان‬
                                                            ‫يفر ُض سطوته بشك ٍل أو بآخر‪ ،‬إلا أن‬
                                                           ‫مكان الطفولة يكون المسؤول الأول‬

                                                         ‫عن تحديد تلك الطبيعة‪ ،‬لتتشكل أولى‬

                                                        ‫بوادر السلوك النفسي سل ًبا أو إيجا ًبا بما‬
                                                         ‫يحق ُق الاستقرار ومحاول ِة تعويض ذلك‬

                                                        ‫النقص‪ ،‬وما مَّرت به (هند) في طفولتها‬
                                                         ‫كان سب ًبا في سلوكياتها التي عاشتها‬
                                                         ‫باضطراب‪ ،‬لاسيما أ َّنها لم تجد هويتها‬

                                                          ‫المكانية والنفسية حتى‪ ‬بعد‪ ‬زواجها‪. ‬‬

  ‫أمريكا (بروكلين) في شارع (فلات بوش)‪ ،‬حينما‬                 ‫صارت أوضح‪ :‬أن على واح ٍد منهما أن يختار‬
    ‫رأت الناس من حولها وتأ َّملت المكان المحيط بها‬      ‫النهاية التي تناسبه»(‪ ،)16‬وهنا تتخذ القرار بالهجرة‬
      ‫«تتأكد حين تراهم حولها أنها اختارت المكان‬
   ‫المناسب تما ًما لمزاجها النفسي‪ ،‬حيث يبدو كل ما‬          ‫والسفر بعد أن شعرت بالاغتراب والغربة بحثًا‬
                                                           ‫عن السعاد ِة والخلاص‪ ،‬وغاية الكاتبة في جعلها‬
‫حولها بالغ ال ِقدم يث ُير الحنين»(‪ ،)17‬وهذا ما ترجمته‬   ‫تتخذ هذا القرار لتنطلق صوب فكرتها الرئيسة من‬
   ‫الكاتبة على لسا ِن حالها وهي تحاول وصف هذا‬            ‫الرواية وهي معالجة قضية إنسانية حدثت نتيجة‬
      ‫المجتمع بفلسفته‪ ،‬وكأ َّنها بدأت تش ُعر بهويتها‬    ‫الظروف المختلفة‪ ،‬وهي قضية الهجرة والبحث عن‬
    ‫ووجودها فهؤلاء «يحترمون المُحررين الصغار‬             ‫الأوطان‪ ،‬فهي ستعمد من خلال تلك الشخصيات‬
    ‫في صفحات الأدب‪ ،‬لأ َّن ُهم سيكتشفون موهبتهم‬           ‫التي تشارك هند في أحداث الرواية إلى تبيان تلك‬
      ‫بالمصادفة ويكتبون عنهم باقتضاب‪ ،‬فتتحقق‬
                                                             ‫الظروف الموزعة ما بين النفسية والاجتماعية‬
 ‫أحلامهم ُدفع ًة واحدة»(‪ ،)18‬فالكاتبة تري ُد أن تعك َس‬    ‫والأيديولوجية والسياسية‪ ،‬والتي دفعت بهم إلى‬
      ‫صور ًة لتلك الثقافات المجتمعية التي تعي فهم‬         ‫اتخاذ هذا القرار‪ ،‬إلا أ َّنها تترك نظر ًة موضوعيَّ ًة‬
                                                         ‫منطلق ًة منطل ًقا نفسيًّا في تبيان شعور الإنسان في‬
  ‫الثقافة والمعرفة وتحترم الموهبة والقدرة والعمل‪،‬‬          ‫جوهره بأ َّن الأوطان التي نشأ الإنسان فيها لا‬
     ‫وهذا ما كان يبحث عنه كل شخص لديه وعي‬                 ‫ُيمك ُن نسيانها‪ ،‬مهما حدث‪ ،‬وأن ليس بالضرورة‬
                                                         ‫أن تكون الأوطان المستقبلة مانح ًة للهوية النفسية‬
 ‫ومعرفة مميزة ومختلفة‪ ،‬لتجعل من شخصية هند‬                  ‫والشعور بالانتماء‪ ،‬إلا أ َّن قرار الهجرة سيدف ُع‬
    ‫أنموذ ًجا لذلك‪ ،‬لترسم مشاعرها بعد أن رأت ما‬         ‫الشخ َص إلى محاولة إقنا ِع نفس ِه بأ َّن ُه اختار القرار‬
                                                           ‫الصحيح‪ ،‬فيحاو ُل من َح نفس ِه الأجواء المناسبة‪،‬‬
‫يحدث حولها وما يحيطها‪ ،‬لتشعر بنو ٍع من الانتماء‬           ‫وهذا ما حدث مع هند بعد سفرها ووصولها الى‬
   ‫والذي بدوره يعالج أزم َة الهوية عندها‪ ،‬فتصفها‬

‫قائلة «إنها تنتمي الآن إلى المكان المناسب‪ ،‬حيث ترى‬
              ‫من بعيد أنا ًسا يشبهونها تقريبًا»(‪.)19‬‬
   117   118   119   120   121   122   123   124   125   126   127