Page 124 - merit 49
P. 124
العـدد 49 122
يناير ٢٠٢3
التي لم يألف عليها ،وهذا ما شعر به نجيب الخليلي طمس الهوية الحقيقية له ،كما في قرار ابن هند
العربي من نابلس ،لنجده غير قاد ٍر على الانسلاخ عندما كبر ،وصار يعر ُف حقيقة أبيه وقرا َر ترك ِه
وهو طفل ،وهنا تحاول الكاتبة إيصال رسالة
عن هويته و ُحبِّه لعروبته ،فقالت عنه «أمام محل
ناراك ُتراق ُب نجيب الخليلي جال ًسا ببذلته الرمادية، تتمثل بخطورة البناء المجتمعي ،لاسيما الأسري،
ُمم ِس ًكا أح َد مخطوطا ِته الورقيةُ ،منخر ًطا في الكتابة
باجتهاد ،تبتس ُم ولم يبت ِسم لها لكنَّها لا تقتر ُب أكثر في شعور الإنسان بالانتماء والهوية ،وهذا ما دفع
لأ َّنها صارت تعرف أ َّن ُه دائ ًما يبحث ع َّمن يتحد ُث به إلى التفكير في تغيير اسمه وسلوكياته وعاداته،
مع ُه بالعربية ..وافتت َح محله حلو العريس 1955ثم
إذ راح «يفكر أن ُيغير اسمه لأنه ليس ( )coolكما
وضع صو ًرا لبلدته القديمة على الجدار»( ،)32فهو يعتقد ولا ُيح ُّب اسم أبيه ،و ُيفضل لو سمى نفسه
في صرا ٍع مستمر ما بين شعوره بالغربة في إقامته ( )benكما يجب أن يغير لو َن شعره قلي ًل ل ُيصبِ َح
هنا وإمكانية رجوعه إلى بلده ومكانه الذي لا يملك لو ُنه أشقر»( ،)27وهذا ما فعلته (ليليت) التي صارت
تلع ُن ماضيها وهويتها وأص َّرت على أن تنخرط في
له أ َّي إثبا ٍت رسمي يمن ُحه حق الرجوع والهوية، تلك الثقافة هر ًبا من ذلك الواقع ،لذا «ألصقت في
فهو «حتى الآن لا يملِ ُك من أوراق الهوية إلا ِملحفة
الصفحات صورها بشع ٍر غجري في واشنطن بارك
من الورق القديم ،تقول إ َّنه لاجئ فلسطيني ،ومحل بهيئة هيبية ،وقد ت َل َّو َن جس ُدها بالتاتو ،بقصة شعر
الإقامة بعلبك ولا يعرف أين يمك ُن أن يعود»(،)33 (ليزا مانلي) وأخرى بجدائ َل أفريقية ،وقد كشفت
ثم ُتبرر السب َب وراء شعور نجيب بهذا الشعور، الوشم على ظهرها أنا ُحرة مكتوب ًة بالإنكليزية»(.)28
لتبين حقيقة تلك البلاد التي رحلوا إليها بحسب تعاملت الكاتبة مع الشخصية التي تحدد مدى
رؤيته ،إذ راح «ينتقد الحياة في مجملها ،ويعتقد أ َّن سطوة المكان عليها من منطل ٍق نفسي ،لذا هي لن
أميركا كذب ٌة كبيرة ،يستطيع أن يؤ ِّكد ذلك بنظرياته
تنسى ذلك الشعور الإنساني الذي ي ُّمر به الإنسان
التي لا تنتهي عن أن تلك المدينة مثل ماكينة الفرم، بعي ًدا عن وطنه ،فأحيا ًنا الحنين والشوق يبقى
من ومهما تش َّكل الأمكنة، مهما قست تلك أحزام ٍةضفًراي
تحترمك طالما أنت جزء من المفرمة ،ولكن إذا صرت وهي حدث مع هند وهذا ما الهوية بسببها،
تر ًسا صدئة ُتع ِّط ُل سير العمل فسيلقون بك في
في الغربة عندما راحت تتذكر تلك الأمكنة التي
النفاية»( ،)34ويصفها بأ َّنها مدن «لا قلب لها ،يتعج ُب
كيف ينشغل الأولاد بالجري وراء ال ِرزق ويتركون نشأت بها ،فها هي «تحاول رسم صورة للبيوت
آبا َء ُهم هكذا ..كان في قرارة نفسه يراها مدين ًة ظالمة
التي عاشت فيها بعد ذلك ،لكنَّها لم تعد تتذكر»(،)29
مثل كل مدن التاريخ التي تحولت إلى ُغبار»(.)35 بُيرحقِجي ُقع ِةهاأإَّنلهىا
تم َّكنت الكاتبة من تسليط الضوء على الأبعاد شعورها بالوحدة الذي والسبب في ذلك
هربت منها ،لذا «تشعر تلك الغربة التي
النفسية لشخصياتها ،وبدق ٍة وصلت إلى درجة
التفاصيل في تحدي ِد ميولها ورغباتها وردو ِد تعيش وحيد ًة بلا معنى ،وأ َّنها تبحث ع َّمن يؤن ُس
وحدتها»( .)30وكذا الحال لشخصية عبدول الذي
افعالها ،عن طريق ثيمة المكان التي ترتكز عليها ترك بلده بحثًا عن الراحة والاستقرار والهوية ،إلا
الرواية بوصفها رواي ًة تتحد ُث عن الهجرة بحثًا أن ُه يشع ُر بذلك الحنين فهو «يري ُد أن يبكي ويو ِش ُك
عن الهوية والمكان بسبب العوامل الأيديولوجية أن يقول لها أ َّن ُه يريد أن يرجع الى وطنه ،وأ َّن ُه في
والاجتماعية وغيرها ،بوصفها عوام َل رئيسة في الحقيقة لم يجد تلك الجنة التي يبحث عنها»(،)31
ثم عمدت الكاتبة إلى تبيان ذلك الحال كشعو ٍر
مثل هذه الظاهرة
إنساني ،يتعرض ل ُه كل مغتر ٍب يعيش في الأمكنة