Page 116 - merit 49
P. 116

‫العـدد ‪49‬‬   ‫‪114‬‬

                                                           ‫يناير ‪٢٠٢3‬‬

    ‫من أنفسهم‪ .‬لهذا أسلفنا في صدر هذا المقال بأننا‬         ‫يسمعك أحد أو يراك ولكنك هنا في قلب العمل بوعيك‬
‫ونحن نقرأ رواية إنما نواجه ذواتنا‪ .‬فالرواية تتخطى‬             ‫ورؤيتك وإدراكك‪ .‬وفي «بروكلين هايتس» تو ِّظف‬
‫سرعة أيامنا ويومياتنا التي لا تلتفت كثي ًرا يمينًا ولا‬       ‫ميرال الطحاوي الاستعارات التمثيلية التي تتحدث‬
                                                                ‫عن «السرد الشارح» أو «الميتاقصة»‪ ،‬ومن هذه‬
  ‫يسا ًرا‪ ،‬ولا تلتفت إلى الخلف إلا ناد ًرا‪ ،‬وتنظر دائ ًما‬                                       ‫النصوص‪:‬‬
  ‫صوب الأمام الذي لا تراه جي ًدا هو أي ًضا‪ ..‬تتوقف‬            ‫«تحلم «هند» ببيت يحتضن الشارع‪ ،‬تستطيع أن‬
   ‫الرواية إذن لكي تنظر في كل هذه الأنحاء فتتأملها‬              ‫ترى ما بداخله دون أن تطرق بابه‪ ،‬تستطيع أن‬
 ‫جي ًدا‪ ،‬وتستنطقها جي ًدا‪ ،‬وكل هذا يؤدي إلى مواجهة‬
‫شيء يبدو أننا قد تعودنا على ألا نواجهه‪ ،‬إنه حقيقتنا‬         ‫تفترش باحته وأن يحدثها المارة إذا عبروا‪ ،‬أن تشم‬
                                                           ‫رائحة الطبخ ومساحيق الغسيل وعرق الغرباء الذي‬
                                         ‫الدفينة‬
                                                             ‫ينسكب أمام عتباته‪ ،‬لكن باب بيت أبيها كان دو ًما‬
                                                                      ‫عاليًا ومغل ًقا‪ ،‬تقف خلفه ويقف أمامها»‪.‬‬

                                                             ‫لقد أوردنا هذين المقطعين من مقال الناقد المصري‬
                                                              ‫على طولهما النسبي لكي نرى كيفية إعادة ابتكار‬

                                                                                    ‫النقد للأعمال على أيامنا‪.‬‬
                                                            ‫ويخامرنا في هذا المقام سؤال مشاعب‪ :‬هل الشعور‬
                                                           ‫المنبعث من المقال والذي مفاده أن الناقد يقع في مكان‬
                                                            ‫أعلى بقليل من الروائية المتمرسة هو شعور بانقلاب‬

                                                                                       ‫موازين إنتاج المعنى؟‬
                                                                 ‫هل أصبح الروائي اليوم على علو شأنه تلمي ًذا‬
                                                               ‫يمتحنه الناقد بهدف إثبات صلاحيته للكتابة من‬

                                                                                                   ‫عدمها؟‬
                                                                                           ‫ليس الأمر هكذا‪.‬‬
                                                                ‫التفسير في عرفنا هو أن هنالك درجة عالية من‬
                                                                ‫التورط صارت تصيب قراء اليوم مع الروايات‬
                                                            ‫التي يختارونها كعلامات فارقة للدلالة على زمانهم‪.‬‬
                                                              ‫علامات ربما تضمن البقاء لهذه النماذج البشرية‬
                                                           ‫(أي‪ :‬لهذه الجماعة) بعد أن تقلب صفحة هذا الزمن‪.‬‬
                                                                ‫الرواية مسألة حياة‪ ،‬في ظل أن كل شيء عداها‬

                                                                                              ‫مسألة موت‪.‬‬
                                                                   ‫‏سوف يعود دائ ًما السؤال له ونحن نقرأ كل‬
                                                                ‫هذه التفاصيل التي يغلب عليها الحزن والبؤس‬
                                                                    ‫حول حقيقة واقعنا‪ ،‬وسوف نطرح السؤال‬

                                                                     ‫دائ ًما‪ :‬هل نحن بؤساء إلى هذا الحد؟ وهل‬
                                                                 ‫الآخر الذي نسير صوبة حس ٌن إلى هذا الحد؟‬

                                                                      ‫إن رواية ميرال الطحاوي (ورؤيتها) قد‬
                                                                     ‫وضعتنا ببراعة كبيرة أمام مرآة كبيرة لا‬
                                                                     ‫تخطئ تفصي ًل‪ ،‬مرآة تقول كل شيء ولا‬

                                                                          ‫تخشى الحقيقة‪ .‬والحقيقة أن الذين‬
                                                                         ‫انزعجوا من هذه الرواية قد انزعجوا‬
   111   112   113   114   115   116   117   118   119   120   121