Page 112 - merit 49
P. 112
العـدد 49 110
يناير ٢٠٢3
تبلورت فيه حقيقة سابقة لتجربة المنفى ..حقيقة الضوء المنبعثة من الشرق بعيون هذا الكاتب الفنان
تلك العزلة الصارخة. الرحالة السويسري الذي لا يقبع بعي ًدا زمنيًّا عن
ميرال الطحاوي وبطلتها ..هل يمكن أن يكون هذا
العزلة ليست العامل المشترك الوحيد بين تلال الشرق هو نفسه الشرق المخيب لكل الآمال القابع
فرعون ،و«بروكلين هايتس» ،أو بنحو أد ُّق خلف سرد ميرال الطحاوي؟
إن عالم هند متخم بتمثلات الشرق ،بأسراره،
الأماكن التي تتر َّدد عليها هند ،وهي أماكن يرتادها
المهاجرون العرب والمسلمون في الولايات المتحدة .إذا وبغمامات الممنوع والمقدس والمدنس ،وكل ما دارت
كانت هذه الفضاءات «متع ِّددة الإثنيات والعرقيات»، حوله رحى النظرة الإيكزوتيكية التي ابتكرها الغرب
فهي ما زالت محكومة بقوانين العزلة الاجتماعية المستعمر للشرق منذ قرنين ،وهي كلها قيم تعاني
نفسها ،والحدود الإثنية ،والتحكم بمصير المرأة.. من ثقل الحرام الديني الذي يتحول إلى محظور
يظهر ذلك مث ًل في «الغيتو اليمني» الذي لا تخرج اجتماعي ،لا مخرج له سوى قمع الذاتية لدى
نساؤه حتى للتس ُّوق ،أو في عالم المسلمات اللواتي
الشرقيين الذين تصبح تهمتهم هي أنهم يعانون من
يجتمعن في وكالة غوث اللاجئين .في النهاية ،لا «عدم كونهم غربيين» وهو ما ينبعث من تأملات
تختلف هذه الفضاءات كثي ًرا عن «تلال فرعون». البطلة في بروكلين.
حتَّى في مقهى «نجيب الخليلي» الذي تشعر فيه هند ومن الغريب في هذا السياق أن نجد طفولة هند
براحة وألفة نسبيتين ،تجد نفسها في عالم ذكوري البطلة تتمحور في كثير من الأجزاء حول مشاهد
بحت ،يدفعها لتتش ُّبث يائس ًة بالروائح والأصوات قهر المرأة أكثر من عنايتها بالفرح الطفولي الذي
الأليفة الآتية من ما ٍض بعيد»( .الأخبار اللبنانية، يكاد يكون قاعدة إنسانية لا يشذ عنها إلا المرضى
وبعض ضحايا التاريخين :العام والخاص .وإن
دينا حشمت ،الثلاثاء 4كانون الثاني .)2011 كانت بروكلين هايتس لا تخلو من هذا الجانب
والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو التالي :هل تقيم المبتهج.
الرواية ما يشبه محاكمة للحقبة التي نعيشها؛ محاكمة الإنسانية في صيغتها ما بعد
أقصد الحقبة ما بعد الحداثية ،وذلك من خلال البعد الحداثية (فتح ملف المغتربين)
المأساوي العميق للشخصيات والأحداث ،وللفلسفة
يورد بعض النقاد الذين أكثروا الحديث عن الرواية
التي تقف خلف الرواية (وخلف الروائية أي ًضا) فور صدورها ملاحظة نجدها من أهم
مفضلة الحقائق المرة على الرؤية الطوباوية التي ما ورد في المقالات والتعليقات التي
تبتكر من خلال الكتابة بصيص نور يعجز الواقع يغلب غ ُّثها المتسرع سمينها المتأني« :لم
تجد هند مأوى في النهاية من انهيار
العالم حولها ،وانهيار زواجها ،إلا
غرفة صغيرة في بروكلين ،تتح َّول فيها
العزلة إلى كابوس يومي ملموسُ .تل ُّح
ميرال الطحاوي على أن بطلتها «امرأة
وحيدة بائسة» ،ليست قادرة على بناء
علاقات إلا من النوع العابر .صحيح
أ َّن تلال بروكلين سمحت لها بالهروب
من جو اجتماعي قاهر ،إلا أ َّن الحي
النيويوركي يبدو في الرواية مكا ًنا