Page 113 - merit 49
P. 113

‫نون النسوة ‪1 1 1‬‬                                                                            ‫عن خلقه؟‬
                                                        ‫نميل كثي ًرا صوب أن تكون الإجابة بنعم‪ .‬وإن كنا‬
   ‫التي تفرضها السينما مث ًل‪ .‬إن الزمن العالق على‬      ‫نقف دو ًما متشككين من ثنائية القطبين التي تجعل‬
    ‫حبال الذكريات هو زمن يبتكر شخصية سلبية‪،‬‬           ‫الرؤية الروائية إما واقعية‪ /‬تراجيدية‪ ،‬وإما متعالية‬
    ‫شخصية اختزلت كل حواسها في حاسة واحدة‪،‬‬              ‫على الواقع‪ /‬طوباوية مرتكزة على الممكنات الكثيرة‬
  ‫هي النظر‪ .‬النظر والقراءة الصامتة للعالمين‪ :‬عالمها‬
 ‫القديم الذي تحرسه الذكريات وعالمها الجديد الذي‬            ‫للأدب لكي يقول ما لا يقوى الواقع على قوله‪:‬‬
                                                                                               ‫الأمل‪.‬‬
            ‫يحرسها لكي لا تفلت من عنت الذاكرة‪.‬‬
                                                            ‫كثيرون لاحظوا أي ًضا كون الرواية خاليه من‬
           ‫محاكمات القراء‬                              ‫الحركة وفقيرة على مستوى الأحداث إلى حد أفسد‬
     ‫(النقد وإعادة ابتكار السرد)‬                       ‫البعد التأملي لهذا النص الجميل‪ .‬فهنالك هيمنة غير‬

   ‫‏إن قارئ الرواية اليوم يجد نفسه قبالة التحولات‬         ‫مريحة للسرد والوصف في إيقاع رتيب يفرضه‬
     ‫الكثيرة للعلامة السردية الواحدة‪ ،‬والغالب أننا‬                      ‫الغياب النسبي للأحداث المعقدة‪.‬‬

 ‫أصبحنا بشكل ما نخشى على أنفسنا مما قد تحمله‬                ‫وليس مستحي ًل أن يكون هذا هو ديدن حياة‬
  ‫الرواية حينما تواجه الآخر من إمكانيات غزو هذا‬             ‫المهاجرين‪ ،‬بما أـننا قد فتحنا ملفهم‪ :‬الصمت‬
 ‫الأخر لذواتنا الصغيرة القابعة في زواياها المتناهية‬        ‫والعزلة والغربة اللغوية والانطوائية الوجدانية‬
                                     ‫في الصغر‪.‬‬           ‫وهيمنة الذكريات الصامتة في ظل واقع يرفضهم‬
                                                            ‫ويتهيب منهم‪ ،‬ويقابل مآسيهم بالتجاهل مرة‬
‫‏ونحن نتجول داخل ذكريات ثم مشاهدات هند بطلة‬             ‫وبالإقصاء مرات‪ .‬وهو شيء ينبعث من بروكلين‬
     ‫الرواية‪ ،‬يثيرنا أن الرحلة الطويلة لا تفعل شيئًا‬
    ‫سوى إعادتنا إلى أعمق النقاط داخلنا‪ .‬هل الآخر‬                               ‫هايتس بشكل قوي ج ًّدا‪.‬‬
                        ‫أكذوبة خطابية فقط إذن؟‬           ‫هذه التأملات الجوانية في الأماكن التي احتضنت‬
                                                         ‫المهاجرة من شوارع ومحلات وأشخاص تتقاطع‬
 ‫كتب الناقد والأكاديمي سيد محمد قطب قائ ًل‪« :‬في‬          ‫معهم البطلة دون كثير من التركيز‪ ،‬كأن الرواية‬
‫«بروكلين هايتس» تخرج البطلة «هند» أحد الأسماء‬            ‫حافلة تمر بأماكن أو يركبها أشخاص في محطة‬
 ‫المفضلة لبطلات «ميرال»‪ ،‬مثلما كان «محسن» عند‬            ‫لكي يغادرها في المحطة الموالية‪ ،‬والنتيجة جدارية‬
‫«توفيق الحكيم» أو «يوسف» عند فتحي غانم‪ ،‬وكما‬
  ‫يحب الممثل نور الشريف أن يكون اسمه في بعض‬                          ‫ثرية ج ًّدا وبناء فقير بعض الشيء‪.‬‬
                                                          ‫كان الفيلسوف والناقد الفرنسي جاك رونسيير‬
    ‫الأفلام «جابر» لأنه جزء من اسمه الحقيقي‪ ،‬أو‬         ‫قد وقف مطو ًل عند ابتكار الأعمال الهامة لطريقة‬
‫«يحيي» مثلما هو الحال في السير الذاتية السينمائية‬
‫التي قدمها المخرج يوسف شاهين‪ ،‬مع ابنها الصغير‬              ‫خاصة لتوظيف‬
                                                        ‫الزمن‪ ،‬وقال إن كل‬
      ‫إلى «أمريكا» أرض الأحلام الممكنة والضائعة‪.‬‬        ‫عمل يبتكر صياغته‬
    ‫تعيش بطلة «بروكلين هايتس» في مدينة الغرباء‬         ‫الخاصة للزمن‪ ،‬وإن‬
    ‫مع مطاريد العالم الثالث ومغامريه‪ ،‬مع الحالمين‬     ‫هذه الأخيرة هي التي‬
‫والأدعياء‪ ،‬مع المخلصين والثعالب‪ ،‬نماذج من نوعية‬        ‫تحدد الأبعاد الدلالية‬
 ‫«هيثكليف» بطل «وذرنج هايتس» فتظل غريبة بين‬
‫الجميع‪ ،‬ويتأكد لديها أن الاغتراب محله الروح‪ ،‬وأن‬                    ‫للعمل‪.‬‬
    ‫النماذج الإنسانية كما تتفرد في التفاصيل تلتقي‬     ‫إن نيو يورك التي هي‬
  ‫أي ًضا في الطبائع والغايات‪ ،‬وأن نظرية الاستهلاك‬
‫تمنح الآخرين حق استغلال الإنسان تحت مسميات‬              ‫مهاميز للذاكرة هي‬
‫مختلفة في الظاهر‪ ،‬ليظل مفهوم «الوأد» مسيط ًرا على‬        ‫مكان جديد تبتكره‬
 ‫أرواح الغرباء الذي يعيشون ويرحلون على أمل أن‬         ‫ميرال الطحاوي بعي ًدا‬
                                                        ‫عن الصيغة القاهرة‬
   108   109   110   111   112   113   114   115   116   117   118