Page 130 - merit 49
P. 130
العـدد 49 128
يناير ٢٠٢3
ابنها ،الأمر الذي يو ِّضح أثر تجربة الارتحال إلى الطفل الذي صار في مثل سن طفلها مبتس ًما راك ًضا
الآخر بتبديد بعض القناعات ،فلو لم تج ِّرب الارتحال ثم تقول لرفيقتها المشغولة بتقليب الصناديق بنهم
وصبر« :انظري يا إيمليا ..انظري ،أليس هذا الولد
وتتصادم مع الآخر ،لما تبددت قناعتها النفسية،
وظلت تعتقد إلى الأبد أنها لا تشبه أح ًدا .ولا ش َّك يشبه ابني؟»(.)15
أ َّن هذا الاكتشاف يؤ ِّكد بق َّوة أ َّن ما تركته هند هناك وفي الوقت الذي تقلب فيه أوراق وكتابات ليليت
(في مصر) هو أفضل بكثير م َّما هو موجود هنا في تجد هند نفسها أمام لحظة اكتشاف صادمة ورهيبة
أمريكا بلد الهجرة والارتحال الذي تو َّهمت بأنه بلد أفقدتها توازنها النفسي ،فتقول« :أشعر أنني أعرف
الأحلام أو بلد تحقيق الأحلام ،إذ تيقنت هند من أن هذه الأوراق ..وأ َّنني كتبت كل كلمة فيها ..أشعر
مصيرها في أمريكا سيكون مأساو ًّيا ،بالضبط مثل أ َّنها أوراقي وأ َّن تلك الخطوط بالفعل خط يدي ،ولا
مصير شبيهتها ليليت ،أي الاستباحة ،والتلاشي، أعرف كيف أخذت تلك المرأة التي ماتت كل ما أردت
أ ْن أقول وأكتب ..أشعر أ َّنني عشت ذلك من قبل،
والموت الجسدي والمعنوي في أرض الآخر دون كتبت هذه الكلمات ،وفتحت هذه الخطابات وعشت
اكتراث من أحد ،وكل ذلك يتضمن حك ًما ضمنيًّا -في
حياة هذه المرأة»(.)16
الأقل في حالة هند -بتفضيل الشرق على الغرب، لقد اكتشفت هند أخي ًرا أ َّنها تماهت مع ليليت بشكل
أو بتحديد أكثر تفضيل مصر على أمريكا؛ لأنها
لم تعاني في مصر مثلما عانت في أمريكا ،فلو كان مخيف ومقلق ،إذ التقى تراث ليليت مع مخزونها
الواقع في مصر لا يلبي الطموح ،فإ َّنه في أمريكا من الأفكار والمشاريع المستقبلية في الكتابة والبوح
«وكأن ك ًّل منهما كان يبوح بذات نفس الآخر»(،)17
يتض َّمن العدوانيَّة ،والغموض ،والخوف. وعندما أخافها اكتشاف الشبه بينها وبين ليليت،
لقد سعت الروائية ميريال الطحاوي في هذه الرواية
فعلت هند «كما كانت تفعل في طفولتها ،تنام في
إلى مقاربة تجربة الارتحال إلى الآخر مقاربة فراشها وتخبئ وجهها تحت الغطاء ،وتحاول أ ْن
نفسية /حضارية تثير الرعب في الذات ،ولاسيما تنسى الخوف ..تقضم شعرها الذي صار أقصر
حينما ارتأت الروائية أن تجمع في هذه الشخصية
المرتحلة صفات (الشرقية والأنوثة والوحدة) ،وربما فتتحسس من تحت الغطاء سروالها الذي بلله
الخوف»(.)18
لو كان المرتحل رج ًل ،لكانت الصدمة النفسية
والحضار َّية أقل بكثير من صدمة هند ،الذي بات نلحظ أ َّن تهاوي قناعة هند الزائفة بأنها لا تشبه
أح ًدا بدأ بالظهور إثر حوار حضاري /سياسي
مرض ألزهايمر ينتظرها ويتربص بها -انتخاب أوباما رئي ًسا لأمريكا -خاضته الأم مع
كتاب صورة الآخر -العربي ناظ ًرا ومنظو ًرا إليه).810 / الهوامش والمصادر:
-7فتح أمريكا ،مساءلة الآخر ،تزفيتان تودوروف ،ترجمة:
بشير السباعي ،تقديم :فريال جبوري غزول ،سينا للنشر، -1التحليل النفسي للمهجر والمنفى ،ليون غرينبرغ وربيكا
غرينبرغ ،ترجمة :تحرير السماوي ،دار المدى ،دمشق/2008 ،
القاهرة.9 /1992 ،
-8دار ميريت ،القاهرة ،ط.2010 ،2 .94
-2صورة الآخر -العربي ناظ ًرا ومنظو ًرا إليه ،مجموعة من
-9الرواية.9 / الباحثين ،تحرير :الطاهر لبيب ،مركز دراسات الوحدة العربية،
-10الرواية.15 /
-11الرواية.19 : بيروت( .1999 ،مقدمة المحرر).21 /
-12الرواية.229 / -3صورة الذات وصورة الآخر في الخطاب الروائي العربي،
-13الرواية.230 : فتحي إبراهيم محمود أبو العينين (ضمن كتاب صورة الآخر-
-14الرواية.231 /
-15الرواية.232 / العربي ناظ ًرا ومنظو ًرا إليه).813 /
-16الرواية.232 / -4المصدر نفسه.813 /
-17ميريال الطحاوي في بروكلين هايتس ،د.صلاح فضل -5المصدر نفسه.812 /
((.hournews.net/news
-18الرواية.234 : -6صورة (الأخرى) في الرواية العربية :من نقد الآخر إلى
نقد الذات في أصوات سليمان فياض ،جورج طرابيشي (ضمن