Page 158 - merit 49
P. 158

‫العـدد ‪49‬‬                               ‫‪156‬‬

                               ‫يناير ‪٢٠٢3‬‬                            ‫التي توجهت إلى فرنسا‬
                                                                        ‫وإنجلترا باعتبارهما‬
  ‫مفتو ًحا على أكثر من جهد‪،‬‬        ‫الذين كانوا ينتظرون في‬
‫على أكثر من مسعى إنساني‪،‬‬        ‫مصر صدور الصحيفة التي‬                ‫النموذجين الحضاريين‬
‫وأن كمالها الخاص يكمن أب ًدا‬                                        ‫اللذين يهددان وجود هذا‬
                                  ‫تنشر رواياته على حلقات؛‬
   ‫في نقصانها المحايث‪ .‬فكل‬       ‫والذين كانوا يأنسون غالبًا‬            ‫الآخر مباشرة‪ ،‬والتي‬
‫ترجمة تشي ببياضاتها التي‬        ‫إلى إهداءاته التي توجه مرة‬           ‫أفرزت عناوين من قبيل‬
                                 ‫إلى الساعين وراء الفضيلة‬          ‫«عجائب الآثار في التراجم‬
  ‫تستدعي الانكتاب‪ ،‬فراغات‬
 ‫تحتاج إلى الملء‪ ،‬آفاق تنتظر‬      ‫كما يفعل في «الفضيلة أو‬              ‫والأخبار»‪ ،‬و»تخليص‬
  ‫التحقق‪ ،‬حيوات أخرى تبز‬          ‫بول وفرجيني»‪ ،‬أو الذين‬          ‫الإبريز في تلخيص باريز»‪،‬‬
‫الحياة الأصلية نضارة وأل ًقا‪.‬‬     ‫يثوي بين حناياهم همس‬          ‫و»الساق على الساق فيما هو‬
 ‫وإذا كانت روايات المنفلوطي‬       ‫الشعر كما في «الشاعر أو‬         ‫الفارياق»‪ ،‬فإن الترجمة من‬
 ‫لا تحمل اسمه إلى جانب من‬       ‫سيران ودي برجراك»‪ ،‬غير‬            ‫جانبها حاولت أن تنقل إلى‬
‫يترجم عنهم‪ ،‬ولو تغير الحال‬     ‫أن هذا الفعل يعد في اعتقادنا‪،‬‬       ‫هذا الشرق نماذج من هذا‬
‫في طبعات لاحقة‪ ،‬مثل إدمون‬       ‫ربما عن وعي أو دون وعي‬
 ‫روستان‪ ،‬وبرندان دي سان‬            ‫من المنفلوطي‪ ،‬فع ًل بالغ‬                  ‫الغرب الغازي‪.‬‬
‫بييرن‪ ،‬وألكسندر دوما الابن‪،‬‬       ‫الدلالة والأهمية‪ ،‬إذ يشير‬           ‫وإذا لم يعد اليوم س ًّرا‬
  ‫وفرنسوا كوبي‪ ،‬وألفونس‬          ‫إلى مسعى آخذ في التشكل‬               ‫ما يربط المنفلوطي من‬
‫كار وشاتوبريان‪ ،‬وكما ذهب‬       ‫ضمن مبحث الدراسات التي‬              ‫علاقات وجدانية و فكرية‬
‫إلى ذلك عبد الفتاح كيليطو في‬     ‫تعنى بحقل الترجمة‪ .‬هكذا‪،‬‬           ‫بـ»ترجماته»‪ ،‬وما يحرك‬
 ‫كتابه لن تتكلم لغتي(‪ ،)2‬فإن‬     ‫وفي سياق آخر‪ ،‬وحتى إذا‬           ‫الروائي ميلان كونديرا من‬
  ‫ما يغيب عن هذه الترجمات‬      ‫كان كونديرا لا يستسيغ هذا‬             ‫دوافع تؤكد على حرصه‬
                                  ‫الأمر‪ ،‬مع أنه سيقر به في‬      ‫الشديد على مراجعة ترجماته‬
    ‫هو أسماء الذين شاركوه‬      ‫النص الذي سنحيل عليه هنا‪،‬‬           ‫حد الهوس‪ ،‬فإنه لا بد من‬
  ‫هذه التجربة‪ ،‬ولربما قاموا‬     ‫تبقى الترجمة كائنًا هلاميًّا‪،‬‬    ‫التذكير هنا‪ ،‬كما فعل الكثير‬
 ‫بالترجمة بالنيابة عنه‪ .‬يبدو‬                                     ‫من الباحثين‪ ،‬بأن المنفلوطي‬
  ‫المنفلوطي كمن يعيد سيرة‬            ‫رماد ًّيا‪ ،‬شبحيًّا‪ ،‬وتبقى‬
   ‫سلف لا يمكن أن يحيا إلا‬       ‫ممارستها على الدوام فع ًل‬              ‫لم يكن يتحدث اللغة‬
                                                                ‫الفرنسية‪ ،‬وبأنه كان يستعين‬

                                                                              ‫بآخرين حتى‬
                                                                               ‫تتحقق عملية‬

                                                                                   ‫الكتابة‪/‬‬
                                                                                  ‫الترجمة‪،‬‬
                                                                                ‫وحتى ينقل‬
                                                                                ‫ما يشاء من‬
                                                                               ‫سرديات بلد‬
                                                                             ‫الأنوار(‪ .)1‬ربما‬
                                                                               ‫قد يكون هذا‬
                                                                              ‫مفاجئًا وحتى‬
                                                                                  ‫مستهجنًا‬
                                                                                   ‫بالنسبة‬
                                                                              ‫لطوابير القراء‬
   153   154   155   156   157   158   159   160   161   162   163