Page 162 - merit 49
P. 162
العـدد 49 160
يناير ٢٠٢3
الطمس أو الالتهام اللغوي طاقات كثيرة ،وذلك بتأمل تشكل مادة خصبة تتراكم
glottophagiaهو مصير عظمة روما ومنجزاتها بالنسبة للحفريات التي
العديد من اللغات في أفريقيا
وآسيا وجزر الكاريبي .هذه الفذة ،كما أن دول شمال سيقوم بها المؤرخون لاح ًقا،
أوروبا حاولت أن تحاكي ليكشفوا النقاب عن عوالم
ال َمقتلة اللغوية والثقافية، جوهر الحضارة الرومانية
بعبارة أخرى ،كان مسوغها وتتجاوزها .في كتاب آرسطو متداخلة ومساعي متضافرة
البلاغة ،يتم تعيين الشعور لتبيئة نص يراد له أن
هو عجز هذه اللغات عن الأول ،شعور الغيرة ،بأنه
المواكبة ،وبالتالي فإن الإجهاز شعور سلبي إزاء تقدم الآخر يكون مؤس ًسا للاقتصاد
وازدهاره ،بينما يلوح شعور الأوروبي .في هذا السياق،
عليها ما هو إلا أمر طبيعي. المحاكاة شعو ًرا نبي ًل يعبر لعل ما كان يحرك الترجمة
أما الموقف الثاني فهو موقف عن طموح في امتلاك ما
يبدو في ظاهره أنه ينظر إلى يتوفر عليه الآخر ،من منطلق هنا السعي الحثيث لنقل
الترجمة باعتبارها صيرورة أن ما مكنهم من ذلك لن خميرة التقدم وزرعها
في بنية راكدة ،عساها
معرفية ،مع أنه لا ينفصل يعوزنا نحن أي ًضا(.)9
عن الموقف الأول ،إن لم ولعل هذين الموقفين ،أو تحرك المياه الآسنة وتبعث
الشعورين ،إزاء منجزات الحياة في نظام اقتصادي
يكن هو ما يضع الأساس الآخر ،يعبران عن تصورين واجتماعي وسياسي هو في
له .في كتابه الأخير يخبرنا للترجمة ظ َّل أب ًدا ملازمين أمس الحاجة لعملية خلخلة
رتشارد هيلجرسون كيف لها ،وهما الترجمة كقوة أو
أن «الشعر الجديد الذي ساد سلطة Translatio imperii وزلزلة.
أوربا خلال القرن السادس والترجمة بما هي معرفة يميز راينر بين مستويين من
.)10(translatio studii
الترجمة كسلطة تمثلت في ردة الفعل إزاء تقدم الآخر
وحيازته لعصا السبق :هناك،
مجموعة مواقف
كان أبرزها من جهة ،شعور الغيرة،
ما أشار وهو شعور مبتذل ،يعبر عن
إليه ناقد رغبة خسيسة في حيازة ما
ماركسي
يمتلكه الغير ،ولو اقتضى
فرنسي ،حينما ذلك استعمال القوة ،وهكذا
أشار إلى ما أصاب
تنتظم العلاقات في سياق
لغات وثقافات صراعات ويتخذ المنخرطون
الشعوب الأصلية في
فيها شكل «مصارعين»،
مناطق مختلفة من بدل أن ينحازوا إلى التعاون
العالم من تدمير
واجتثاث، والتشارك البنَّاء .من جهة
حيث كان ثانية ،هناك شعور المحاكاة
والسير على منوال الآخر
للوصول إلى ما وصل إليه
هذا الآخر ولما لا يتجاوزه.
فالنهضة الأوروبية ،على
سبيل المثال ،تعرف بأنها
فترة الاحتذاء بامتياز ،ذلك ميلان
أن العلماء والفنانين ورجال كونديرا
الفكر والفلسفة استمدوا