Page 266 - merit 49
P. 266

‫وتعيش بينهم‪ ،‬لدرجة أن‬                                       ‫العـدد ‪49‬‬                            ‫‪264‬‬
    ‫القارئ يتعاطف مع هذه‬
  ‫الشخصيات‪ ،‬هل تتعاطف‬                                                          ‫يناير ‪٢٠٢3‬‬  ‫المباشرة‪ ،‬يبدو لأول وهلة أن أتباع‬
     ‫معهم في الحقيقة؟ وهل‬                                                                     ‫الإسلام السياسي هدفهم الأول‬
                                      ‫عاصمة عربية كانوا يصطحبونهم‬                             ‫والأخير هو جسد المرأة‪ ،‬ما من‬
      ‫وضعت –متعم ًدا‪ -‬هذا‬                 ‫إلى شوارع البغاء في نهاية كل‬                       ‫جملة لهم بعيدة عن هذه المنطقة‪،‬‬
 ‫العالم في إطار من الكوميديا‬             ‫ثلاثة أسابيع‪ ،‬واحد منهم وهو‬                         ‫والسلطات من جانب آخر تحتكر‬
‫السوداء للتخفيف من وطأته‬                    ‫يضاجع بائعة حب رأي على‬                            ‫جسد الجميع‪ ،‬في فضاء الرواية‬
                                                                                                ‫كان الجسد هو المباح الوحيد‬
         ‫وثقله على القارئ؟‬            ‫الحائط أمامه صورة ياسر عرفات‪،‬‬
                                         ‫حكى أنه ناضل كما لم يناضل‬                          ‫للجميع‪ ،‬افعل ما شئت وابتعد عن‬
  ‫في الحقيقة لا أتعاطف معهم‪ ،‬إلا‬         ‫من قبل‪ ،‬ولهذا كان على الجسد‬                                    ‫«المعلم» بكسر الميم‪.‬‬
 ‫فيما ندر‪ ،‬بعض شخصيات لطيفة‬              ‫أن يتأخر عند مناقشة القضايا‬
  ‫تعاود جرائم خفيفة الدم‪ ،‬وربما‬          ‫العربية المصيرية وأن يتقدم في‬                         ‫لا توجد بائعة حب صادقة في‬
 ‫تؤذي نفسها قبل أن تؤذيك‪ ،‬مثل‬                                                                 ‫الغالب إلا في الأفلام‪ ،‬لكن نعيمة‬
                                      ‫اللحظة التي يشهر فيها المناضلون‬                        ‫في باب الليل كانت صادقة تما ًما‬
     ‫المسجل الذي ينفخ بذكاء على‬                          ‫صواريخهم‪.‬‬                         ‫حتى مع انحرافها‪ ،‬وأظن ألفة كانت‬
‫ميزان الحشيش‪ ،‬كيف تتعاطف مع‬                                                                ‫صادقة حين ضجرت من ألمانيا في‬
                                      ‫أشعر أنني شططت في الإجابة على‬                          ‫اللحظة التي اكتشفت فيها صدق‬
   ‫نصاب نصب على امرأة لا تملك‬            ‫السؤال وقلت كلا ًما بعي ًدا عنه‪،‬‬                  ‫الناس‪ ،‬وأظنها صرخت وقالت «كل‬
             ‫غير نقودها لتعيش‪.‬‬                                                             ‫حاجة عندكم بيضاء»‪ ،‬فقدت الجزء‬
                                       ‫لكنها الإيروتيكا في الشعر كما في‬                    ‫الأهم الذي يربطها بالحياة ومتعتها‬
     ‫عد إلى العنف الذى استشرى‬          ‫الرواية كما في الحياة تستطيع أن‬
     ‫داخل الشارع المصري‪ ،‬اركب‬                                                                                ‫وهو الاحتيال‪.‬‬
                                                   ‫تفعل بها كل شيء!‬                          ‫على أية حال يتقاطع حال بائعات‬
      ‫ميكروبا ًصا وتفرج براحتك‬            ‫باب الليل‪ ،‬رواية غير متفائلة‪،‬‬                    ‫الحب مع حال النضال منذ قصائد‬
 ‫لماذا يتعاطف الناس مع المجرمين‬          ‫وأجساد تايوانية وروح مثخنة‬
‫في الغالب‪ ،‬حتى مع المحتال‪ ،‬محتال‬          ‫بالهزائم‪ ،‬جرعة الإيروتيكا إ ًذا‬                       ‫مظفر النواب‪ ،‬الإيروتيك كان‬
   ‫فيلليني مثا ًل‪ ،‬أظنه ليس تعاط ًفا‬                                                           ‫ضرور ًّيا للفصل بين الحضور‬
‫معهم بقدر ما هو انتقام من الإرث‬                          ‫تصلح المعدة‪.‬‬                         ‫العارم للجسد والأسنان المتآكلة‬
                                                                                            ‫للشهوات‪ ،‬لا يجب أن يكون العالم‬
                                          ‫في «جنازة جديدة لعماد‬                            ‫بذئيًا حتى لو كان من يعيشون فيه‬
                                             ‫حمدي» كشفت عالم‬                                 ‫يقبعون في الدرك الأسفل‪ ،‬ثم إن‬
                                                                                           ‫الجسد هنا ليس في حالته الطبيعية‪،‬‬
                                        ‫صغار المجرمين ومسجلي‬                                  ‫ليست في حالته التي يتجلى فيه‬
                                          ‫الخطر كأنك واحد منهم‬                             ‫جماله أو حضوره إلإنساني‪ ،‬جسد‬
                                                                                            ‫عابر مثل سراويل الجنود الجدد‪،‬‬
                                                                                             ‫يخلعه واحد لا يعرف من سبقه‪،‬‬
                                                                                           ‫ليلبسه واحد آخر لا يعرف السابق‬

                                                                                                               ‫ولا اللاحق‪.‬‬
                                                                                                 ‫تخيل أن بائعات الحب كلهن‬
                                                                                                 ‫يناصرن القضية الفلسطينية‬
                                                                                               ‫والعراقية‪ ،‬هذا مؤشر جيد على‬
                                                                                             ‫أن النضال سيستمر‪ ،‬عندما كان‬
                                                                                           ‫الفدائيون الفلسطينون يتدربون في‬
   261   262   263   264   265   266   267   268   269   270   271