Page 184 - ميريت الثقافة رقم (33)- سبتمبر 2021
P. 184

‫العـدد ‪33‬‬                             ‫‪182‬‬

                                 ‫سبتمبر ‪٢٠٢1‬‬                             ‫العلم‪:‬‬

‫ومصادره كانت الأسرة هي‬               ‫والجمال‪ .‬وهذا وعي كلي‬       ‫في وعيه الأول زمن الطفولة‪،‬‬
‫الفاعل الأوحد فيه بما أرسته‬          ‫فلسفي يرتقي بالعلم إلى‬      ‫يتذكر سويف موقع العلم في‬
                                     ‫مرتبة الفضائل‪ ،‬ويرتقي‬       ‫أسرته وما يكتنفه من هالات‬
   ‫من نظام مستقر لا يختل‪،‬‬          ‫بوظيفته ويصله بالأخلاق‪،‬‬
    ‫سواء في أشكال التعامل‬         ‫كما يصله بالفنون والمنطق‪.‬‬          ‫التقدير والاحترام‪ ،‬ويرد‬
     ‫السائدة أو المسموح بها‬      ‫ولكن مراوغة المعنى واقتران‬      ‫هذه المكانة إلى أمرين‪ ،‬الأول‪:‬‬
                                      ‫معنى العلم بشخصيات‬          ‫نظام مستقر لا يختل سواء‬
 ‫داخلها‪ ،‬بما يعني الانضباط‬           ‫تحيط بها هالات التقدير‬      ‫في أشكال التعامل السائدة أو‬
    ‫السلوكي وتوحيد معيار‬             ‫والتبجيل في وعيه المبكر‬       ‫المسموح بها داخل الأسرة‪،‬‬
                                 ‫جعل كلمة العلم «تنطوي على‬
  ‫الثواب والعقاب‪ .‬فالإشادة‬        ‫أقدار من الوضوح والإبهام‬         ‫أو في تتابع الأحداث المقدر‬
‫والتدعيم المعنوي ضرورة في‬             ‫م ًعا‪ .‬وضوح لا بأس به‬        ‫لها أن توجه مسار الجميع‬
 ‫وقتها‪ ،‬مثل واللوم والعقاب‪.‬‬          ‫يغري النفس بالاطمئنان‬         ‫عبر الأيام‪ .‬والثاني ارتباط‬
 ‫‪ -‬أن العلم وأهله لهما مكانة‬        ‫له‪ ،‬وإبهام يدفع إلى مزيد‬       ‫كلمة العلم باسم جده لأمه‬
‫لا تعادلها مكانة أخرى مهما‬                                         ‫الشيخ مصطفى بركة الذي‬
                                        ‫من الاقتراب من عالم‬
 ‫تكن في وعي سويف المبكر‪،‬‬            ‫الكلمة بقصد الاستشفاف‬             ‫كان يقوم بالتدريس في‬
          ‫وفي ثقافة أسرته‪.‬‬                                                           ‫الأزهر‪.‬‬
                                     ‫والاستكشاف‪ .‬وعلى مر‬
    ‫‪ -‬أن وعي سويف المبكر‬             ‫الشهور والأعوام اختفت‬       ‫يقول سويف “في هذا الصبح‬
   ‫بمعنى العلم لم يكن وعيًا‬          ‫الشخوص المتحركة على‬          ‫المبكر من الحياة كان الهواء‬
                                                                    ‫مفع ًما حولي بسيرة العلم‬
     ‫مجر ًدا ولا مطل ًقا ولكنه‬        ‫المسرح‪ ،‬وبقيت المعاني‬        ‫كأنما هو الخير الأسمى في‬
    ‫كان وعيًا ملمو ًسا مرئيًّا‬   ‫والمشاعر والإيحاءات أصداء‬           ‫الوجود»‪ .‬انظر لسويف‪:‬‬
  ‫ومشهو ًدا ومقد ًرا كما مثَّله‬                                      ‫نحن والمستقبل‪ ،‬ص ‪،11‬‬
   ‫رمزه في أسرته وهو جده‬            ‫من الماضي تلاحقني‪ ،‬على‬         ‫القاهرة ‪ .2002‬وقد تبلور‬
 ‫لأمه الشيخ مصطفى بركة‪.‬‬           ‫وعي مني أحيا ًنا‪ ،‬وعلى غير‬         ‫هذا الوعي المبكر ‪-‬الخير‬
‫‪ -‬أن هذا الوعي المبكر بمعنى‬      ‫وعي مني أحيا ًنا أخرى‪ .‬وأنا‬      ‫الأسمى في الوجود‪ -‬عندما‬
  ‫العلم ظل ملتب ًسا بالمشاعر‬                                      ‫التقي بوعي أنضج وأوضح‬
   ‫والمعاني والإيحاءات التي‬         ‫الآن أتعامل مع العلم على‬       ‫مكن لسويف أن يعقد صلة‬
  ‫انبعثت من تقدير المحيطين‬         ‫مستويين‪ :‬مستوى تحدده‬            ‫بين العلم بهذا المعنى وبين‬
  ‫للشيخ مصطفى بركه‪ .‬تلك‬             ‫القواميس‪ ،‬ومستوى آخر‬             ‫ما أقرته الفلسفة «وفيما‬
 ‫المشاعر التي ظلت أصداؤها‬        ‫تمتزج فيه عناصر متعددة لا‬           ‫بعد عندما عرفت طريقي‬
  ‫عالقة بوعي سويف بقصد‬           ‫أتبين منها إلا القليل‪ .‬فيها أن‬    ‫إلى دراسة الفلسفة شعرت‬
    ‫أو بغير قصد بعد رحيل‬           ‫العلم هو المعرفة الصادقة‪،‬‬           ‫بشيء من التناغم بين‬
   ‫الشخصيات المتحركة على‬           ‫وأن العلم قيمة‪ ،‬وأن العلم‬         ‫هذا المعنى وما قصد إليه‬
                                                                 ‫أفلاطون في جمعه بين الحق‬
                   ‫المسرح‪.‬‬             ‫ينطوي على شعاع من‬           ‫والخير والجمال»‪ .‬المصدر‬
   ‫‪ -‬أن وعي سويف بمعنى‬                      ‫القداسة» ص‪.12‬‬         ‫السابق‪ ،‬ص‪ .11‬بما يعني أن‬
   ‫العلم ظل يكتنفه الغموض‬                                         ‫العلم عنده غاية من الغايات‬
 ‫بمقدار ما يعتريه الوضوح‪،‬‬        ‫نتبين من فترة الوعي الأولي‬      ‫الكبرى وهي الخير مع الحق‬
                                     ‫المبكر عدة أسس صاغت‬
      ‫مما دفعه إلى المزيد من‬          ‫مفهوم العلم ولم تفارق‬
 ‫تحرير المفهوم واستيضاحه‬
  ‫على النحو الذي انتهى إليه‪،‬‬     ‫سويف في مراحل سنيه بعد‬
                                                       ‫ذلك‪:‬‬
     ‫وهو تحقيق المفهوم كما‬
 ‫تضبطه القواميس‪ ،‬وتحقيق‬               ‫‪ -‬أن بواعث هذا الوعي‬
   179   180   181   182   183   184   185   186   187   188   189