Page 186 - ميريت الثقافة رقم (33)- سبتمبر 2021
P. 186

‫العـدد ‪33‬‬                             ‫‪184‬‬

                              ‫سبتمبر ‪٢٠٢1‬‬                           ‫‪ -‬وجه المتعة الخالصة‬
                                                                                  ‫لذاتها‪.‬‬
  ‫السمع‪ ،‬ولم يدركه البصر‪.‬‬          ‫الفكر‪ .‬الأدب‪ .‬فماذا قرأ‬
 ‫فتاريخ الإنسان على الأرض‬        ‫سويف وإلام أدت به هذه‬         ‫‪ -‬وجه الصحبة عبر الزمن‪.‬‬
‫منقول بالسمع‪ ،‬والقراءة هي‬                                       ‫‪ -‬وجه القراءة والاستماع‪.‬‬
‫باب العقل والخيال م ًعا وهي‬                      ‫القراءة‪.‬‬
                                                                   ‫في الوجه الأول نجد أن‬
   ‫قنطرة العبور إلى المشترك‬          ‫القراءة‬                    ‫المتعة الخالصة هي القاعدة‬
  ‫بين الأمم‪ .‬ومن ذلك تاريخ‬
                                  ‫القراءة عند سويف فعل‬             ‫الركينة التي بنى عليها‬
    ‫الفكر وتاريخ العلم وهما‬    ‫حيوي وجودي‪ ،‬تنعدم قيمة‬         ‫سويف كل هذا الولع باللغة‪.‬‬
    ‫المجالان الواسعان اللذان‬   ‫الوجود عنده إذا لم يكن هذا‬
   ‫سعى سويف إليهما بدأب‬                                             ‫فالمتعة الخالصة قادته‬
‫عظيم‪ ،‬فقرأ في تاريخ الفلسفة‬       ‫الفعل‪ .‬لذلك ظلت القراءة‬          ‫إلى متعة مصاحبة اللغة‬
 ‫لأنه أدرك منذ البداية رغبته‬  ‫فع ًل حيو ًّيا يحافظ على جودة‬        ‫على مستويين‪ :‬الاهتمام‬
  ‫في دراسة الفلسفة على غير‬                                      ‫بسلامتها‪ ،‬والجهد الدؤوب‬
 ‫إرادة أسرته «أرادت الأسرة‬         ‫البقاء كما يصل سويف‬          ‫على التمكن منها باستمرار‬
     ‫أن أدرس الطب‪ ،‬وأردت‬       ‫بكل آفاق الأمكنة والأزمنة‪،‬‬
  ‫أنا أن أدرس الفلسفة‪ ..‬فقد‬     ‫فيتحرر من قيد الزمن كما‬             ‫بالاطلاع على معجمها‬
‫وقعت أسير الانبهار بالتفكير‬                                       ‫ومصادرها‪ .‬وهذه قادته‬
     ‫الفلسفي منذ الصفحات‬         ‫يتحرر من قيد المكان كما‬       ‫إلى متعة القراءة والاستماع‬
  ‫الأولى فيما قرأت عن الفكر‬   ‫سوف نرى‪ .‬وقد بدأ سويف‬            ‫م ًعا بمعنى الخروج من حيز‬
‫اليوناني»‪ .‬ص‪« .16‬كما قرأت‬      ‫فعل القراءة مبك ًرا على نحو‬    ‫القاريء والمستمع المنفرد إلى‬
   ‫بإعجاب يكاد يستحيل إلى‬                                        ‫أفق المستمع الذي ينصت‬
  ‫ذهول (تطور علم الطبيعة)‬         ‫بداية الوعي بقيمة العلم‪،‬‬        ‫إلى نفسه كما ينصت إلى‬
                                ‫وبمتعة الوعي بقيمة اللغة‪.‬‬        ‫كل مجيد ومطرب وممتع‬
      ‫لأينشتاين» وبعض ما‬        ‫بدأ هذا الفعل بقراءة الأدب‬       ‫من الناس الذين يمتلكون‬
  ‫كتب هالدين أسرار التطور‬        ‫«الأيام» لطه حسين «فإذا‬
                                 ‫بي ‪-‬يقصد نفسه‪ -‬أعاود‬               ‫ناصية اللغة‪ ،‬بما يعني‬
                ‫البيولوجي‪.‬‬                                      ‫أي ًضا الاستمتاع بما يؤديه‬
     ‫فالقراءة حررته بانفتاح‬        ‫قراءته مرات ومرات في‬       ‫الأخرون من أمثال المنشدين‬
                                 ‫صيف واحد‪ ،‬وقرأت كتبًا‬         ‫والمبتهلين ومجودي القرآن‬
       ‫آفاق المعرفة ووسعت‬         ‫أخرى‪ ،‬وحفظت عن ظهر‬            ‫والشعر وكبار المغنين ممن‬
    ‫مساحات الحرية الفردية‬     ‫قلب ديوان إسماعيل صبري‬            ‫يتقنون الغناء بالقصيد‪ ،‬ثم‬
  ‫والاجتماعية‪ ،‬وعلمته كيف‬        ‫باشا‪ .‬وعرفت الطريق إلى‬          ‫أدت به هذه المتع في نهاية‬
  ‫يكون الحوار بما هو تعدد‬                                       ‫الأمر إلى متعة التعرف على‬
‫الأصوات‪ ،‬واختلاف المعارف‬           ‫دار الكتب بباب الخلق‪،‬‬      ‫اللغة في متونها والتمكن منها‬
  ‫عبر تجاوز قيد المكان وقيد‬     ‫وكنت أقضي هناك ساعات‬            ‫بما يعني العلم بما لا يعلم‬
   ‫اللغة‪ .‬وقد استمرت علاقة‬    ‫النهار من أوله إلى آخره أقرأ‬     ‫الذي تتيحه القراءة وتتيحه‬
    ‫سويف بالقراءة على هذا‬       ‫ما أعرفه وأبحث عن جديد‬           ‫مجالاتها من علم بالأدب‪،‬‬
  ‫النحو طيلة عمره بوصفها‬       ‫لا أعرفه لكي أقرأه‪ .‬وأشعر‬
 ‫خبرة وجودية تنمو وتزداد‬                                             ‫وبألوان الفكر العقلي‪،‬‬
   ‫وتتعدل‪ .‬لذلك انطوت على‬        ‫طوال الوقت بأنني أعيش‬            ‫وبتيارات العلم الإنساني‬
    ‫تجربة الفرد في اتصالها‬    ‫حل ًما سعي ًدا لا أكاد أصدقه»‪.‬‬   ‫والطبيعي‪ .‬فاللغة إذن كانت‬
 ‫بخبرة الجماعة البشرية على‬                                     ‫المفتاح الذي ولج به سويف‬
                                             ‫ص‪.15 -14‬‬             ‫إلى عوالمه الكبرى‪ :‬العلم‪.‬‬
                  ‫اختلافها‪.‬‬         ‫والقراءة ‪-‬الحلم‪ -‬هي‬
                                 ‫باب السعي وراء المجهول‬
                              ‫«وأبحث عن جديد لا أعرفه»‬
                              ‫ومن المجهول‪ ،‬كل ما ورد إلى‬
   181   182   183   184   185   186   187   188   189   190   191