Page 188 - ميريت الثقافة رقم (33)- سبتمبر 2021
P. 188
العـدد 33 186
سبتمبر ٢٠٢1 الصوت التي تلاحقني،
عندئذ أبدأ في اجترار بعض
عبر نافذتي اللغتين فتحت ارتضاها سويف عن العالم ما قرات ،وأستطيع حينئذ
له كل نوافذ المعرفة كما المحيط به ،أفضت به إلى أن أتوقف عند هذه الفكرة
أو تلك لأنظر فيها فأقبلها،
أراد واختار .يقول سويف: عالم أرحب وأكمل من العالم
“وهكذا بدأت طريقي باللغة الاجتماعي المعيش ،فالقراءة أو أؤجل الحكم عليها ،أو
العربية يعنيني منها الجرس، غدت لديه فع ًل حيو ًّيا وعالمًا أنتقدها» .ص.16
فإذا هي تفضي بي إلى متكام ًل «هكذا أقرأ الآن، والقراءة على هذا النحو
قراءة الأدب ،ثم إلى القراءة وتعتبر القراءة بالنسبة ليست تر ًفا ولا تعبي ًرا عن
لي طري ًقا إلى عالم متكامل الفائض من الوقت ولا شو ًقا
على إطلاقها .ومع القراءة ومكتف بذاته يمتعني ويشق
عرفت اقتناء الكتب” .فما عليَّ في آن م ًعا .وقد عرفته إلى متعة عابرة ،وكيف
آفاق القراءة التي أشار إليها على هذا النحو منذ اكتشفته تكون ذلك وهي تمثيل
في فترة مراهقتي ،وقد ظل للوجود الفعال بالاتصال مع
سويف؟ على ما هو عليه طوال هذه ذوات لها حضورها القوي
القراءة لدى سويف هي السنين .كل ما في الأمر أن مع أنها غائبة عن العيان،
العصا السحرية التي يفتح بعض خصائصه وأحواله ولها قدرتها على الملاحقة
بها كل مغلق من أبواب ازداد مع الأيام وضو ًحا والإلحاح على عقل القاريء
المعرفة ،ومن ثم يمكن لنا واستقرا ًرا فازداد تمكنًا مني ووجدانه .فقد يستمهل
القول إن القراءة التي بدأت وازددت تمكنًا منه» .ص.16 سويف الكاتب من حين لآخر
مثل اللغة من منطقة المتعة، ولعلنا نتذكر أن عالم القراءة لأن عقله لا يكاد يلاحقه،
صارت ذات أدوار وظيفية المتكامل ،المكتفي بذاته كما وقد يطوي الكتاب ليرغمه
على مدار حياته العلمية أراده سويف ،بدأ لديه على التمهل أو التوقف
وحياته الثقافية م ًعا .فقد بمتعة اللغة واكتشاف الحس لاسترداد أنفاسه ،وهو في
وظف العلم لخدمة الثقافة، اللغوي المبكر .وقد قادته كل ذلك يتهيَّأ للانتقال من
ووظف العلم والثقافة لخدمة اللغة والقراءة كما يقول إلى حال التلقي إلى حال الحوار
المجتمع ،وامتطى صهوة عالم كان يعد نفسه له هو والجدل .وسويف وهو
اللغة للوصول إلى خاصة عالم الفلسفة .أي أن اللغة يحدثنا عن هذا التفاعل بينه
الناس وعامتهم .فقد أهلته والقراءة أسلمتاه إلى العلم. وبين ال ُكتَّاب وأفكارهم لا
القراءة لما أراد من العلم في وقد ظل هذا الثالوث :العلم. يتحدث عن ذاته المجردة بل
الجامعة المصرية ،فقرأ الأدب اللغة .القراءة يصاحبه حتى يتحدث عن ذاته المحورية
كما قرأ العلم والفلسفة. نهاية المطاف .فالحس اللغوي التي تجمع كل أطراف العالم
وعندما استقرت به سفينة صار لغة هو لغته الأم التي بأركانه وأزمانه .فبعد
امتلك ناصيتها وجعلها لغة اجترار ما يقرأ ،يتوقف عند
التخصص على مرافيء العلم ولغة ما يكتب عن الفكرة وينظر فيها إما أن
الفلسفة وعلم النفس ،كانت الشأن الثقافي العام ،واللغة يقبلها أو يؤجل الحكم عليها،
دربة القراءة من أهم مهاراته الأم التي فتحت أمامه آفاق أو ينتقدها ،لكنه لا يفعل أ ًّيا
المعرفة أسلمته إلى لغة أخرى من ذلك إلا بعد أن يبتعد
الشخصية ،فقرأ مناهج هي الإنجليزية التي وصلته عن المقروء وينظر إليه من
البحث في علم النفس وعلى بالعلم المعاصر ،كما وصلته بعيد .ويبدو أن العزلة التي
الأخص علم نفس الإبداع. بتراثها المعرفي .والقراءة
يقول سويف:
“قضيت سنوات الدراسة
الجامعية في استمتاع متصل.
كنت أتلقى المحاضرات