Page 19 - ميريت الثقافة رقم (33)- سبتمبر 2021
P. 19
17 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
يقتضى الإشارة إلى أن العقلانية دينًا للحداثة لا المؤلف ،وموت الإله ،والانقطاع المعرفي عن القديم
يعني ،في المجتمع العربي الإسلامي ،إلغاء دور الدين وغيرها يفسر هذا النزوع إلى رفض كل سلطة في
التيار الغربي الحديث ،خاصة ما تعلق بها من النقد
والأخلاق ،والنزوع إلى التمرد على الظلم ،والثورة السيميولوجي والتناص( .)65وهذا ما دعا إلى خطابات
ضد الفساد ،والمعاناة من القمع ،والانفجار بعد نقدية عربية مغايرة( .)66وتبدو المرأة في شعر الماغوط
كأنها رمز ،ومجرد استعارة في العمل الإبداعي لا
الكبت لا يعني محو سلطة المؤسسات ،وإلا سادت تتعمق إلا بالقناع( ،)67خاصة في محاوراته لليلى.
الفوضى .ولا يعني فساد بعض المؤسسات انهيار والسؤال هنا هل الحداثة تكمن ،فقط ،في مثل شعر
الماغوط ،كما رأيناه في هذا الديوان ،وكما في قصيدة
القيم الاجتماعية. النثر عامة؟ وهل اللغة العربية بمكامنها الإبداعية
ويحلو للبعض أن يطلق على مثل هذا الطرح التوفيق
موصو ًفا بالتلفيق ،وكأننا يجب أن نقيم معارك بين الغنية ليست إطا ًرا للتجديد؟
الفرق المختلفة لكي لا نوصف بذلك .فإما أن تكون فإذا عدنا إلى بعض من يناصر الحداثة كغالى
مع الحداثة بشرطها أو تكون ضدها .وإما أن تكون شكري ،مث ًل ،نجده يرى أن الأدب العربي يمكن
أن يثمر أد ًبا عالميًّا حقيقيًّا بالانكباب الواعي الحر
مع القديم بشروطه أو تكون ضده. على طاقات اللغة العربية الساحرة ،ذات الطبيعة
أما إذا حاولت أن تقيم حوا ًرا بين المشترك بينهما الخفية الكامنة ،هذه اللغة التي هي منجم «غير قابل
للاكتشاف النهائى»؛ منجم «يفاجئك دو ًما بأنه لم
فسرعان ما تتهم بالتلفيق. ينته بعد»؛ يمنحنا عن طيب خاطر أساليب جديدة
والقطيعة المعرفية شر ًطا للحداثة الغربية مهمة في
تقدم العلم ،وتطور المعرفة ،والمساهمة في النظرية «هي نفسها التي تلد الرؤى الجديدة»(.)68
وقد اعترف هذا الناقد العظيم ،وهو شاعر أي ًضا ،أ َّن
النقدية ،العربية ولكنها «لا تعني الإلغاء بقدر
ما تعني طرح أسئلة جديدة تنأى بنا عن التقليد الحداثات العربية معزولة عن الناس حتى الآن(.)69
والاجترار ،وتدفعنا نحو دائرة التجديد والإبداع»(.)72 ونحن لا نحكم على الحداثة ،ولكنا نحللها من بعض
أما قصيدة النثر فتمثل مشكلة اصطلاحية -وفق الطرح النقدي الجاد ،ونؤكد أن الماغوط كان عظي ًما
وجهة نظر -إذ إنها تسمية الفن من خلال نقيضه،
وقد أطلق «أحمد زكى أبو شادى» مصطلح «الشعر لأنه كان استثناء من قاعدة الانعزال عن الناس.
الحر» على قصيدة النثر ،ليجمع بينها وبين الشعر والرصد للموقف الحالى يشير إلى بكاء على أطلال
الحر( )73على أساس أ َّن ما يميز القصيدة الحديثة الحداثة ،وكأنها الحل الأخير ،وليس تحلي ًل نقد ًّيا لها
رؤيتها الشعرية للعالم والاكتفاء بذلك دون العروض من منظور استمرار تغير القيم الثقافية التي تؤدى
والبلاغة التقليدية(.)74 إلى تغير القيم الفنية.
ولا تخلو قصيدة النثر من تنوع إيقاعي ،وإن لم يكن فليست النظريات خالدة ،وإنما هى متغيرة لا
إيقا ًعا عروضيًّا( .)75والعمل الحداثى “يمكن أن يمزق يضرها استبدالها بغيرها .والبكاء على القديم ،كذلك،
التوقعات اللغوية الروتينية لأن الإدراك المتجدد غاية ليس ح ًّل لضرورة استمراره بشرط تفاعله مع
المتغيرات الجديدة .أما بقاؤه كما كان عليه فضرب
في ذاته حسب تعبير كانط»( .)76وهذا ما يمكن معه من المستحيل ،لأن التطور سنة الحياة ،والعلاقة
المقاربة النقدية لقراءة شعر الماغوط الحداثي. بين القديم والحديث متكاملة .فالقديم كان جدي ًدا في
نرى ذلك فيما قدمنا من شعره ،وفي قوله من عصره ،والحديث لا يقوم بغير ارتكان إلى «شجرة
قصيدة «الليل والأنهار»: طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء»( .)70فهناك
كان بيتنا غاية في الاصفرار أوجه مختلفة للحداثات الغربية ،وحوارات وجدل
يموت فيه المساء حولها من منظريها ،إذ أصبحت محل مراجعة
ينام على أنين القطارات البعيدة من جانب الفكر الغربي نفسه( .)71وعليه فالحوار
تنوح أشجار الرمان المظلمة العارية
تتك ّسر ولا تنتج أزها ًرا في الربيع(.)77
واطراد أفعال المضارعة يجسد المأساة التي تنساب