Page 20 - ميريت الثقافة رقم (33)- سبتمبر 2021
P. 20
العـدد 33 18
سبتمبر ٢٠٢1
مشاهد وتعبيرات رومانسية تعد ممه ًدا أو مؤث ًرا سنية صالح غالى شكرى
حداثيًّا( ،)80كذلك ارتباط هذا الشعر بفلسفة
ميتافيزيقية ،وبرأى في العالم متوهج بالرؤيا في صور فريدة كاصفرار البيت وأنين القطارات
ونوح أشجار الرمان ،وغياب أزهار الربيع .إنها
والحدس على حد تعبير أدونيس( .)81ولا تخلو الروح الحزينة المتشائمة التي تحمل وهجها وإيقاعها
تجربة شعر الحداثة من حدس صوفي له دلالته
الباطنية من غربة روحية واعتزال واجتهاد بغية وتجربتها في ذاتها.
الكشف عن المعرفة والحقيقة إزاء المجهول في إطار ثم هذه الروح المفعمة بالرومانسية رغم بشاعة
من الشعور النفسي بالتوتر والقلق والحيرة ،وأثر
الاتجاه الصوفي ،وتقريبه بين الصوفية والسريالية بعض صور هذه القصيدة ،كما أشرنا ساب ًقا،
في الشعر الحداثي( .)82ويأتي شعر الحداثة متأث ًرا، والرومانسية في قوله آخرها:
كذلك ،بالبعد الأسطورى بإسقاط الرموز الأسطورية أنا طائر من الريف
الكلمة عندي أوزة بيضاء
على الواقع(.)83
وهذا ما تبدى في إبداع شعراء «مجلة شعر» والأغنية بستان من الفستق الأخضر()78
اللبنانية ،خاصة الأثر الأوروبي الفرنسي في ثقافتهم إنها جدلية الشعور بين الانبساط والانقباض إذا
العربية ،ومنهم محمد الماغوط الذي تأثر بهذه استخدمنا المصطلح الصوفي .وهو ارتباك الشعور
التيارات الفكرية والثقافية والأدبية الغربية ،وغذى استنا ًدا إلى عدم الثبات والافتقار إلى اليقين في الشعر
بها ثقافته العربية وأصالته المعرفية سعيًا إلى تجديد عامة ،وقصيدة شعر الحداثة خاصة .ولاشك في
الأدب العربي الحديث ،خاصة ما يتعلق منه بارتباط ارتباط كثير من صور هذا الشعر بالغموض نتيجة
الحداثة الشعرية بالرومانسية ،بحيث بدت الحداثة
للغرابة والقلق الوجودي ،وغياب الأجوبة إزاء
كأنها امتداد لها(.)84 طوفان الأسئلة ،وإحساس الشاعر بالوحدة والغربة،
وأشهد أ َّن شعر الماغوط لا يبلغ في مفارقته وغرابته
ورمزه ما يبلغه كثير من الشعر الحداثي من افتعال واختلاف البنية الفكرية والفنية مع غرابة التعبير،
وتجنب الطريقة المألوفة عند جمهور القراء ،وازدحام
وادعاء بغية التمظهر بمظهر الحداثة .وقد يكون
لاستمداد قصيدة الماغوط من حقل الكلام اليومي الصور الفكرية وتداخلها ،مما يربك المتلقي(.)79
أثر في ذلك لأن قصيدة الماغوط «الشفوية» تستمد ويرجع غموض شعر الحداثة -في بعض الطرح
تقنيتها من حقل الكلام اليومي ،والمرجح أن هذا أحد النقدي -إلى جموحات في الخيال والعاطفة من
أسباب وضوح قصيدة الماغوط النثرية»(.)85
والرأى السابق ،في نظرنا ،لا يصح دون مقارنة
شعر الماغوط بشعر غيره من شعراء قصيدة
النثر ممن يغلون في الغموض وتجريد الشعر من
المضمون ،واتصافه بالكآبة والجموح في التناقض،
وفي كسر أفق التوقع ،والتشتت الدلالي من حيث
الاتصال بذائقة المتلقي.
لكن هذا لا يعني الإمساك -كليًّا -بما يتوخاه
الماغوط من مراوغة وتشظ ،كما في قوله من قصيدة:
«الرجل الميت»:
أيتها الجسور المح َّطمة في قلبى
أيتها الوحول الصافية كعيون الأطفال
كنا ثلاثة