Page 22 - ميريت الثقافة رقم (33)- سبتمبر 2021
P. 22

‫العـدد ‪33‬‬   ‫‪20‬‬

                                                      ‫سبتمبر ‪٢٠٢1‬‬

            ‫والزبد الحريرى يرنو إلى الأقدام المتعبة‬      ‫الأجوبة»(‪ ،)94‬ككثير من الشعر الحداثي‪ .‬لكن من‬
                                              ‫‪..‬‬          ‫الأجدر الاعتراف بأن الحداثة العربية لم تؤ ِّد إلى‬
                                                      ‫الاستقلال والحرية والنمو الذاتى‪ ،‬خلا ًفا للحداثة في‬
                       ‫ابتعدي أيتها السفن الهرمة‬       ‫أوروبا‪ ،‬وقد انبنت على التنوير‪ ،‬لكنها ‪-‬في ارتباطها‬
                     ‫يا قبو ًرا من الإجاص والبغايا‬
                      ‫عودى إلى الصحراء المموجة‬              ‫بالعولمة‪ -‬سعت إلى فرض هيمنتها على الدول‬
          ‫والقصور التي تفتح شبابيكها للسياط(‪)99‬‬         ‫النامية‪ ،‬وإفقارها‪ ،‬واستنزاف ثرواتها‪ ،‬وكانت ‪-‬في‬
    ‫إنه التشظى اللغوى مرهو ًنا بالتشظى الإنساني‪،‬‬       ‫قلبها‪ -‬مشوهة‪ ،‬لكنها أبقت اقتصادها «معزو ًل عن‬
      ‫والمفارقة التي تجعل السفينة قب ًرا‪ ،‬والصحراء‬     ‫البؤس والخراب الذي ح َّل بها»‪ ،‬وقد حملت ثقافتنا‬
      ‫مموجة‪ ،‬والصحراء تلتبس بالأمواج في تضاد‬
 ‫وتنافر‪ ،‬وهذا الاغتراب في ضجة الميناء يثير النحيب‬                                       ‫تناقضاتها(‪.)95‬‬
                                                        ‫والوعى بالخصوصية الفكرية والفلسفية لحضارة‬
                                 ‫ويهيج الذكرى‪:‬‬           ‫مغايرة مهم ج ًّدا للحداثة العربية‪ ،‬وغيابه أ ّدى إلى‬
           ‫نحو الشارع القديم‪ ،‬والحديقة المتشابكة‬        ‫أزمة في النقد العربى المعاصر(‪ .)96‬وهو الأمر الذي‬

                                              ‫‪..‬‬              ‫يسري‪ ،‬أي ًضا‪ ،‬على الإبداع العربي الحداثي‪.‬‬
                           ‫للأشعار الميتة في فمي‬          ‫وإن كانت نكسة ‪ 1967‬قد طبعت الأدب العربي‬
        ‫إنه بيته المفقود يبكي الشاعر أطلاله وحي ًدا‪:‬‬   ‫الحداثي بما عرضنا لبعضه من يأس وظلام وشك‬
                     ‫سأرتجف وحي ًدا عند الغروب‬
                 ‫والموت يحملنى في عيونه الصافية‬                                                ‫وقلق‪.‬‬
                  ‫ويقذفنى كاللفافة فوق البحر(‪)100‬‬     ‫أما التهويم بالتصوف طري ًقا إلى التجديف في الدين‪،‬‬
   ‫واللغة بمفارقاتها الدلالية مدهشة صادمة صدمة‬        ‫والتطاول على الذات الإلهية‪ ،‬فإنه لا يتسق في الإبداع‬
  ‫الفن عندما يصادف أرضه البكر‪ ،‬ومراحه الساحر‬
‫رغم الأهوال التي يلقاها مبدعه‪ .‬وهو ما نراه‪ ،‬أي ًضا‪،‬‬      ‫الحداثي العربي‪ ،‬بل يتناقض مع دعواه في سعى‬
 ‫في قصيدة‪“ :‬سرير تحت المطر”‪ .‬إنها دلالة العنوان‬         ‫لتأليه أصحابه‪ ،‬ووضعهم لأنفسهم فوق نواميس‬
  ‫وعتبته كسائر عناوين قصائد هذا الديوان‪ ،‬ودلالة‬
‫هذا العنوان على ألفة الطبيعة رغم مفارقة النوم تحت‬                              ‫الكون ووحدانية خالقه‪.‬‬
                                                         ‫وقد عصفت رياح الشك الدينى بكثير من الأدباء‬
                             ‫المطر؛ يقول الماغوط‪:‬‬        ‫قرديش ًمداه‪،‬ووحكد ّفيثًرا‪،‬بعشرض ًقهاموعغنر ًباذ‪،‬لكفثافيبأبدعب أُضهطلمقإلعىليه‬
                    ‫الحب خطوات حزينة في القلب‬             ‫المكفرات في التراث العربي‪ .‬ومضى بعضهم إلى‬
                  ‫والضجر خريف بين النهدين(‪)101‬‬
   ‫إنه تضافر الدلالات اللغوية وتنافرها‪ ،‬والأمان في‬         ‫المجهول والخواء الديني بدعوى انعدام اليقين‪.‬‬
                 ‫حضن الطبيعة والحبيبة والوطن‪:‬‬             ‫وكذلك انغمس الإبداع الحداثي في متعة الجسد‪،‬‬
                                                        ‫وهوس الجنس‪ ،‬بدعوى التحرر من المكبوت معب ًرا‬
                      ‫من خلال عينيك السعيدتين‬         ‫عن جنوح أصحابه إلى هذا الجانب الذي تسيطر فيه‬
          ‫أرى قريتي وخطواتي الكئيبة بين الحقول‬          ‫اللذة على كل شيء‪ ،‬في سعى غير محدود إلى ما لا‬

                                              ‫‪..‬‬                             ‫يروي هذا الشبق المحموم‪.‬‬
         ‫كن شغو ًفا بي أيها الملاك الوردي الصغير‬         ‫كذلك فإن التمثل الثقافى الغربى للحداثة يقتضي‬
                                                       ‫من النقاد ألوا ًنا من التركيب والانتقاء لما يتسق مع‬
                  ‫سأرحل بعد قليل‪ ،‬وحي ًدا ضائ ًعا‬     ‫السياق الثقافي العربي(‪ ،)97‬وذلك للعلاقة الوثيقة بين‬
                               ‫وخطواتي الكئيبة‬
                                                                    ‫الممارسة الأدبية والكتابة النقدية(‪.)98‬‬
                    ‫تلتفت نحو السماء وتبكي(‪)102‬‬             ‫وتتضاد السفينة‪ ،‬رم ًزا للهجرة والرحيل‪ ،‬مع‬
‫وهكذا رحل هذا الفارس النبيل الحزين وحي ًدا ضائ ًعا‬    ‫الصحراء رم ًزا للضياع والهلاك في شعر الماغوط في‬

  ‫ينعي نفسه وحبه ووطنه‪ ،‬ويعانق الطبيعة والحياة‬                        ‫قصيدة‪« :‬وداع الموج» حيث يقول‪:‬‬
      ‫والحب وهو في خضم الموت والرحيل والفراق‬                             ‫في المرافئ المزدحمة يلهث الموج‬
                                                                          ‫في قعر السفينة يتوهج الخمر‬
                                                                                                   ‫‪..‬‬
   17   18   19   20   21   22   23   24   25   26   27