Page 105 - merit 51
P. 105

‫نون النسوة ‪1 0 3‬‬                                                         ‫المعنى لدى شاعر ٍة جربت الموت بحثًا عن معنى‬
                                                                   ‫للأشياء‪ .‬إنها قسو ٌة ُمغرية ولذلك أجربها في السطور‬
      ‫لن ُنسرف في الحديث عن العتبات النصية حتى‬                    ‫القادمة موغلا ‪-‬قدر طاقتي ووعيي‪ -‬في قيامة الشاعرة‬
    ‫لا يرمينا النقاد والشعراء بالسذاجة‪ ،‬نعم سمعتهم‬
 ‫يقولون ذلك عن أي ُمتحدث يتحدث عن العتبات! لكننا‬                       ‫«نهاد ذكي» التي قدمتها لنا في يومياتها الشعرية‬
    ‫نستطي ُع أن نبدأ رص َدنا لحركة المعنى في المجموعة‬                                        ‫بعنوان «كأنها القيامة»‪.‬‬
 ‫الشعرية من العنوان نفسه (باعتباره عتبة أولى) وهو‬
 ‫«كأنها القيامة»‪ ،‬وهو ما يردنا إلى صورة «القيامة» في‬                      ‫ليس بجدي ٍد قولنا أن كل شي ٍء بلا معنى‪ ،‬فهو‬
‫الأذهان وفي ال ُكتب السماوية باعتبارها ساعة ال ِحساب‬                 ‫‪-‬غالبا‪ -‬بلا قيمة‪ ،‬ومن ثم يسعى الإنسان دائ ًما إلى‬
     ‫وساعة الكشف ال ُكبرى التي ُتحيي الموتى العرايا‬                   ‫البحث عن المعنى لاكتساب القيمة أو اكتشافها فيه‬
   ‫كي تزيدهم ُعر ًيا عند مواجهتهم بخطاياهم القديمة‪،‬‬
    ‫وبالتالي فالشاعرة ‪-‬التي قامت قيامتها‪ -‬تستدعي‬                      ‫وفي الأشياء من حوله وفي الشعر‪ ،‬ومهما كان من‬
  ‫لعالمها الموتى من الأفكار والأيام والأحلام والعذابات‬               ‫أم ِر الحداث ِة فيما يخص المعنى (الحياتي‪ -‬الشعري)‬
  ‫والرؤى‪ ،‬كي تبعثهم من جدي ٍد بحثًا عن معنى للحياة‬                   ‫فإن الشاع َر لا يزا ُل ُمطالبًا بمعنى ما ُيقدمه لل ُمتلقي‬
     ‫أو معنى في الحياة‪ .‬لقد عادت للشعر بعد انقطا ٍع‪،‬‬               ‫الذي لن يرضيه قولي أن اللا معنى الشعري قد يكو ُن‬
‫عادت إليه كأحد أدوات توليد المعنى في الحياة‪ ،‬تقو ُل في‬             ‫معنى في ذا ِت ِه‪ .‬ما دف َعني لاختيار هذا الموضوع هو ما‬
                                                                    ‫نعيشه من نقاشات وصراعات فكرية وفلسفية حول‬
               ‫أول مقطع بال ِكتاب بعنوان «توطئة»‪:‬‬                    ‫قضية (المعنى الشعري)‪ ،‬فض ًل عن السؤال الأبدي‬
                              ‫هل أحبب ُت َك دائ ًما؟‬              ‫الذي زادته (ما بعد الحداثة) ضراو ًة وفت ًكا (عن معنى‬
                                                                     ‫الحياة)‪ ،‬وكيف أن العصر الذي نحياه جعل كثيرين‬
                 ‫ُهنا هجر ُت الشعر ثماني سنوا ٍت‬                   ‫يقفون باستمرار أمام مراياهم ليسألوا أنفسهم سؤا ًل‬
                          ‫ُهنا أي ًضا أعو ُد إليه‪)2(..‬‬
                                                                        ‫واح ًدا وهو‪ :‬ما معنى كل هذا؟ وبالتالي يسألون‬
  ‫لقد أحب ْت الشعر‪ ،‬لكنها خافت ُه‪ ،‬وبين ال ُحب والخوف‬               ‫أنفسهم أي ًضا‪ :‬ما قيمته؟ وتزداد مثل هذه التساؤلات‬
    ‫طال ْت المساف ُة أحيا ًنا واخ ُت ِز َلت أحيا ًنا أُخرى‪ .‬أحبت‬    ‫المُهمة إلحا ًحا في عالم لاه ٍث ُمرتاب‪ ،‬وفي زم ٍن أُسميه‬
     ‫الشعر سببًا للحياة ومعنى وخافت ُه هزي ًل ُمكر ًرا‪،‬‬            ‫«زمن البحث عن المعنى»‪ ،‬وقد أتمكن في مقالي هذا من‬
                                                                  ‫رصد الانشغال بمعنى الحياة جنبًا إلى جنب مع أدوات‬
                                          ‫تقو ُل‪:‬‬                  ‫تشكيل المعنى الشعري لدى نهاد ذكي‪ ،‬وكيف تزو ُرنا‬
                       ‫هل يشع ُر ال ُكتا ُب بالرضا؟‬
       ‫لطالما شعر ُت أن الرضا من نصيب الآخرين‪،‬‬                         ‫فيرجينيا وولف مع سيلفيا بلاث أثناء قراءة هذه‬
                                                                                                 ‫المجموعة الشعرية‪.‬‬
                                    ‫وليس لي‪)3(.‬‬
                                                                    ‫لا نستطيع أن نقو َل إن المعنى الشعري هو ما قصده‬
                 ‫(‪)2‬‬                                                 ‫الشاع ُر و َع َم َد إلى قوله و ِكتابته‪ ،‬لأن المعنى الشعري‬
                                                                     ‫يبدو كما لو كان «كرة ثلجية» ُكلما تدحرجت زادت‬
     ‫كالعائدة من المو ِت أو الذاهبة إليه تك ُت ُب نهاد ذكي‬         ‫ضخامة وازداد خط ُرها (تأثي ُرها)‪ ،‬ولكي تتدحرج تلك‬
   ‫قصيدتها؛ تستطي ُع أن تستش َف من سطورها مرار َة‬                   ‫ال ُكرة من أعلى قمة جبل الثلج‪ ،‬لا ُبد من دفعة أو هزة‬
                                                                  ‫(هي القصيدة) ُثم مسل ٌك تنحد ُر فيه و ُمستقر (المُتلقي)‪،‬‬
       ‫كبيرة و ُمعاناة واسعة‪ ،‬ليست هي المُعاناة التي‬                  ‫والمعنى الشعري ليس هد ًفا ثابتًا يصطاده الشاعر‬
  ‫تتكبدها الشاعرة في محاولة فهمها للعالم وحدها‪ ،‬بل‬                 ‫بضربة واحدة و ُيمسكه القاريء بقفزة واحدة‪ ،‬ولكنه‬

    ‫هي ُمعاناة «الاكتئاب» الذي ُيتيحه سؤا ُل «المعنى»‬                  ‫«متحرك» و ُمراوغ‪ ،‬كما أنني أستطي ُع أن أقو َل إن‬
      ‫و»الجدوى»‪ .‬نستطي ُع أن نقول إن هذه المجموعة‬                  ‫حركة المعنى الشعري و ُقدرته على المُراوغة والانفلات‬
       ‫الشعرية أشبه بوصايا يومية لمواجهة الاكتئاب‬                   ‫من أسر التأويلات المُتعاقبة هما شرطان ‪-‬من وجهة‬
    ‫من ناحية‪ ،‬وهي من ناحية أُخرى استسلا ٌم للقبيح‬                 ‫نظري‪ -‬للشعر الحقيقي‪ ،‬إذن تستطي ُع الآن أن تسألني‬
  ‫ومهادنة معه ُبغية فهمه واستكشاف مداه الذي ُيلقي‬                  ‫‪-‬أيها المُتلقي‪ -‬كيف تحر َك المعنى في «كأنها القيامة»؟‬
 ‫بظلاله على الحياة وال ِكتابة‪ .‬تقو ُل في قصيدتها «حتما‬

                                  ‫لي َج َس ٌد آخر»‪:‬‬
   100   101   102   103   104   105   106   107   108   109   110