Page 108 - merit 51
P. 108

‫العـدد ‪51‬‬  ‫‪106‬‬

                                                            ‫مارس ‪٢٠٢3‬‬

                          ‫أكون بعيدة عن ُحزني‬                 ‫فبلاث الطفلة الشقية والبريئة‪ ،‬كما تصف نفسها‬
                      ‫أن أضع بيني وبينه جدا ًرا‬             ‫في مذكراتها‪ ،‬تبدو متمردة وحزينة في المراهقة التي‬

                                     ‫أن أعزله‪..‬‬               ‫لم تهدأ تأثيراتها إلا في مصح خرجت منه شاعرة‬
                      ‫كمن يسكن في قارة سابع ٍة‬               ‫وكاتبة تنشر لها الصحف وتمنحها جوائز كرست‬
                ‫في منفى كئي ٍب وجمي ٍل ُيشبه ُه‪)12(.‬‬
    ‫إننا أمام شعور أصيل بالكآبة ُتحاول الشاعرة أن‬              ‫موهبتها باك ًرا‪ .‬زواجها من تيد هيوز أعادها من‬
     ‫تضرب بينها وبينه بسور باطنه المعرفة وظاهره‬               ‫جديد إلى هلوسات تجلى بعضها بالشعر الذي لم‬
‫ال ِكتابة كعلا ٍج يومي في تماري ٍن كتابية كلُعبة «التاروت»‬  ‫يكن في النهاية غير تخدير موضعي لمعاناتها‪ .‬هكذا‬
‫علينا أن نقرأها معها بينما يختا ُر لنا شيطانها الشعري‬          ‫قررت في النهاية أن تضع رأسها في فرن المطبخ‬
                      ‫مصير الشاعرة في كل ورقة‪.‬‬                 ‫كي تتخلص من تشابك أفكارها الى الأبد‪ ،‬تارك ًة‬
                                                            ‫بانتحارها تساؤلات وضجة لم تستطع فك ألغازها‬
                 ‫(‪)3‬‬                                           ‫صحافة العالم أو سردية الأفلام‪ .‬فهي نفسها لم‬

  ‫واستمرا ًرا لمُحاولات التخلص من الجسد‪ ،‬تستحض ُر‬                ‫تعرف نفسها جي ًدا ليعرفها الآخرون‪ ،‬وهذا ما‬
 ‫نهاد ذكي روح فيرجينيا وولف الروائية البريطانية‬                ‫عبرت عنه حين قالت في قصيدة «ثلاث نساء»‪:‬‬
 ‫التي أقدمت عام ‪ 1941‬على الانتحار غر ًقا في مياه نهر‬          ‫«إني متوحدة كالعشب‪ .‬ما هذا الذي أفتقده‪ /‬هل‬

    ‫«أووز» بعد صرا ٍع فني ونفسي واجتماعي شكلته‬                                  ‫أعثر عليه يوما أيا يكن؟»(‪.)11‬‬
  ‫وفاة والدتها ثم والدها ثم أخيها‪ ،‬وقد عانت كل ذلك‬          ‫وقد سعت نهاد إلى علاج اكتئابها الذي يفتح الباب على‬
  ‫في سنوات الصبا والشباب‪ ،‬وهو ما شكل في روحها‬               ‫مصراعيه على انتحار ُمحتمل بالكتابة‪ ،‬وإلا َلا حرصت‬
                                                            ‫على تأريخ قصائدها جمي ًعا والتي بلغ عددها ‪ 98‬ن ًّصا‪،‬‬
     ‫كآبة ُمتجددة ُمتقدة حد الموت‪ ،‬تقو ُل نهاد ذكي‬
 ‫‪ُ -‬مستحضرة «فيرجينيا» ُمتمثل ًة مصيرها‪ -‬في‬                                    ‫ُذيلت جميعها تقريبًا بالتاريخ أو‬
                                                                                ‫التاريخ والمكان‪ ،‬إنها إشارة إلى‬
                ‫قصيدة «غر ٌق مستع ٍص»‪:‬‬
                                ‫أنحني‬                                               ‫محطاتها الزمانية والمكانية‬
                                                                                          ‫في ُمجابهة الاكتئاب‬
             ‫ليمر البح ُر من فوق رأسي‬
                                                                                       ‫و ُملاقاة الموت اليومي‪،‬‬
                                                                                         ‫موت الروح أو موت‬
                                                                                          ‫الجسد‪ .‬هي تحاول‬
                                                                                         ‫الانفلات من « ِحداد»‬
                                                                                            ‫مستمر لا تعرف‬
                                                                                              ‫سببه‪ ،‬تقول في‬
                                                                                            ‫قصيدتها «أعي ُش‬
                                                                                                    ‫حدادا»‪:‬‬
                                                                                               ‫أعي ُش حدا ًدا‬
                                                                                              ‫دون أن أعرف‬
                                                                                              ‫ما الذي فقدته‬
                                                                                                  ‫بالضبط‪.‬‬
                                                                                                    ‫أري ُد أن‬
   103   104   105   106   107   108   109   110   111   112   113