Page 113 - merit 51
P. 113

‫‪111‬‬             ‫تجديد الخطاب‬

‫الشيخ الألباني‬  ‫الطاهر بن عاشور‬                      ‫عبد الله الهرري‬       ‫بين طرق التدوين ومنهجهم‬
                                                                           ‫الأصولي في وضع الضوابط‬
‫للسند‪ ،‬لا لعلوم الدراية والمتن أو‬                          ‫وضوح‪.‬‬         ‫لقبول الحديث‪ ،‬فخرج منتجهم‬
   ‫البحث العقلاني في النصوص‪.‬‬         ‫وهذا يطرح إشكالية أخرى وهي‬             ‫الفكري من الناحية النظرية‬
                                                                        ‫منضب ًطا لكنه غير متحقق عمليًّا‬
 ‫إذن نحن أمام قرائتين مختلفتين‬           ‫حقيقة علم المحدثين الأوائل‬
  ‫للحديث‪ :‬الأولى للسلف والثانية‬      ‫بالمنهج أو قبولهم لضوابطه‪ ،‬بيد‬                ‫من طرف المحدثين‪.‬‬
                                    ‫أن كل مصنفي الحديث المشاهير‬             ‫وقد صنف الإمام ابن حجر‬
    ‫للخلف‪ ،‬هي في الحقيقة عندي‬                                          ‫العسقلاني في منهج علم الحديث‬
  ‫ممتدة للقرآن أي ًضا‪ ،‬وهي سمة‬           ‫في صدر التاريخ الإسلامي‬         ‫كتابه «نزهة النظر»‪ ،‬وضع فيه‬
‫من سمات الفكر الإسلامي‪ ،‬إذ لو‬         ‫عند التحقيق الأصولي المنضبط‬          ‫شرو ًطا لقبول الحديث أن لا‬
  ‫تأملنا فتاوى سلف المسلمين في‬                                           ‫يتعارض مع صريح القرآن أو‬
‫قراءة القرآن سنجدها مختلفة عن‬            ‫‪-‬نظر ًّيا‪ -‬لعلم الحديث؛ نجد‬  ‫صريح العقل أو الإجماع أو الخبر‬
                                       ‫أن منتجهم الفكري من ناحية‬         ‫المتواتر‪ ،‬لكن عند التطبيق نرى‬
        ‫المعاصرين لعدة أسباب‪:‬‬       ‫التوثيق (ضعيف) وعليه مطاعن‪،‬‬        ‫ابن حجر نفسه يقبل كل أحاديث‬
  ‫أو ًل‪ :‬كان القرآن في بداياته هو‬    ‫مما حمل بعض المحدثين للطعن‬             ‫البخاري في صحيحه ضمن‬
 ‫مصدر التشريع الوحيد‪ ،‬وكل ما‬          ‫في كتب حديث سابقة عليهم أو‬           ‫فصول كتابه «فتح الباري»‪،‬‬
 ‫عداه اجتهاد‪ ،‬لذلك ضبطوا قراءة‬        ‫التعليق عليها بالعلل والضعف‪،‬‬        ‫ويحاول الجمع والتأويل بين‬
  ‫القرآن بفهمه والتدبر فيه عقليًّا‬       ‫مثلما رأينا الداراقطني يعلق‬    ‫المتناقضات الظاهرية‪ ،‬ولا يعمل‬
‫أو روائيًّا‪ ،‬وعلى ذلك مذهب ْي (أهل‬       ‫على البخاري‪ ،‬والنسائي على‬      ‫عقله في النصوص أو الحواديت‬
‫الحديث والرأي)‪ ،‬ولكن في النهاية‬       ‫مسلم‪ ،‬حتى ابن تيمية الحراني‬       ‫الخرافية والقصص الوهمية ولا‬
  ‫كان القرآن هو مصدر التشريع‬           ‫رد كثي ًرا من أحاديث البخاري‬      ‫يعرضها على القرآن‪ ،‬مما أظهر‬
  ‫الوحيد‪ ،‬ويؤكد ذلك قول الإمام‬      ‫والعشرات في الصحيحين بكتابه‬         ‫لدينا في الأخير شخصين باسم‬
  ‫التونسي الطاهر بن عاشور في‬                                             ‫ابن حجر‪ ،‬الأول منضبط عقليًّا‬
  ‫تفسيره «ذكر فقهاؤنا في آداب‬            ‫«منهاج السنة النبوية»‪ ،‬على‬   ‫ويرى الأحاديث بعقلية مستنيرة‪،‬‬
   ‫قراءة القرآن أن التفهم مع قلة‬    ‫شهرة ابن تيمية في قبول أحاديث‬        ‫والثاني محدث خرافي يقبل كل‬
                                    ‫الصحيحين وترجيحه الدائم وف ًقا‬         ‫الروايات دون بحث عقلاني‬
                                                                         ‫أو تفكير أو عرض على القرآن‪،‬‬
                                                                           ‫وعلى هذا الدرب سار الإمام‬
                                                                      ‫السخاوي في كتابه «فتح المغيث»‪،‬‬
                                                                           ‫والسيوطي في كتابه «تدريب‬
                                                                       ‫الراوي»‪ ،‬فهذه الكتب من الناحية‬
                                                                      ‫العقلية منضبطة ومتشددة ج ًّدا في‬
                                                                        ‫قبول الأخبار‪ ،‬لكن عند التطبيق‬
                                                                            ‫نرى السيوطي والسخاوي‬
                                                                        ‫كأستاذهم ابن حجر لا يطبقون‬
                                                                           ‫ما وضعوه من منهج‪ ،‬فقبلوا‬
                                                                          ‫الواهي والضعيف والقصص‬
                                                                       ‫الخرافية والأخبار المتعارضة مع‬
                                                                      ‫صريح العقل وصريح القرآن بكل‬
   108   109   110   111   112   113   114   115   116   117   118