Page 115 - merit 51
P. 115

‫‪113‬‬  ‫تجديد الخطاب‬

                      ‫العوام به‪.‬‬        ‫مصد ًرا ثانو ًّيا حدث مع عصر‬      ‫نفسه ص‪ )53‬تأمل قول البخاري‬
 ‫برغم أن العلم التجريبي المعاصر‬        ‫الإحياء الثاني لعلم الحديث مع‬             ‫«قراءة القرآن هي العمل»!‬
 ‫ينسف كليًّا منهجية علم الحديث‬                                                   ‫ثال ًثا‪ :‬مع صحوة الإخوان‬
                                          ‫ابن الصلاح وابن تيمية‪ ،‬ثم‬                ‫الوهابية منذ الستينيات‬
   ‫ويعيد النظر حتى في الضوابط‬         ‫الجيل اللاحق المشهور بشروحه‬
     ‫التي وضعوها لأنفسهم ولم‬          ‫للصحاح كابن حجر العسقلاني‬              ‫والسبعينيات انقلبت الأوضاع‪،‬‬
     ‫يلتزموا بها‪ ،‬ففي علم النفس‬                                                 ‫فصارت مظاهر التدين هي‬
                                       ‫والذهبي والسيوطي والنووي‪،‬‬
  ‫يوجد ما يسمى الذاكرة الكاذبة‬         ‫وغيرهم‪ ،‬فالسير في فلك الرواة‬           ‫تشريع في حد ذاته لمقاومة ما‬
    ‫‪ False Memories‬وتعني أن‬                                                    ‫سماه الفقهاء وقتها (حملات‬
  ‫الإنسان يتوهم أحداث حقيقة له‬           ‫ومغالطاتهم وأخطائهم أخرج‬             ‫التغريب والتبشير المسيحي)‪،‬‬
  ‫بمقدمات وتفاصيل محكمة رغم‬          ‫هؤلاء المحدثين من زمرة العقلاء‬             ‫التي رافقت الحرب الباردة‪،‬‬
   ‫أن هذه الأحداث في حقيقتها أو‬      ‫الناقدين‪ ،‬ليبعدوا كثي ًرا عن التدبر‬   ‫ومن يومها صارت قراءة القرآن‬
   ‫جزء منها (وهمي)‪ ،‬لكن الذهن‬                                              ‫طق ًسا أساسيًّا عند المتدين‪ ،‬سواء‬
     ‫يعتقد بصوابها كأنها شريط‬           ‫والنظر‪ ،‬فانحصرت رؤاهم في‬             ‫في الشارع أو المواصلات أو في‬
                                        ‫تبرير وعذر المحدثين وتعزيز‬        ‫العمل‪ ،‬وصار القرآن مادة خصبة‬
                         ‫فيديو‪.‬‬          ‫قدسية ورسوخ الكتب الستة‬          ‫للنزاع والتجارة بالدين والقهر به‪،‬‬
   ‫إن وجود هذه الذاكرة يدحض‬                                                ‫مثلما يحدث أحيا ًنا بفرض سماع‬
  ‫كليًّا ما يسمى علم الحديث‪ ،‬لأن‬          ‫والتسعة‪ ،‬ولم يلتفتوا كثي ًرا‬    ‫القرآن على من يسمع الغناء ليظهر‬
    ‫هذا العلم يقوم بالأساس على‬            ‫للتناقضات والردود البينية‬          ‫من يسمع الموسيقى في الأخير‬
  ‫قوة الذاكرة لل ُمح ِّدث على فرض‬        ‫والصراعات التي حدثت بين‬               ‫كاف ًرا وكار ًها للدين‪ ،‬ويوجد‬
    ‫صدقيته ونزاهته من التأليف‪،‬‬        ‫أصحاب هذه الكتب‪ ،‬ثم وضعوا‬            ‫مثال شعبي لهذا المنطق (الشنطة‬
‫وعلى فرض أنه ينقل رأي الشاهد‬           ‫قاعدة لإرهاب تلاميذهم نفسيًّا‬          ‫فيها كتاب دين) للسخرية من‬
‫والسامع لعدة أجيال متصلة وهذا‬        ‫بعدم الخوض في هذه الصراعات‬           ‫المتطرفين والمتشددين والمتاجرين‬
 ‫مستحيل‪ ،‬الـ‪False Memories‬‬               ‫والردود‪ ،‬أو البحث العقلي في‬            ‫بالدين وطقوسه وشعائره‪.‬‬
                                      ‫حقيقة منتجهم كليًّا وهي «كلام‬
        ‫هنا تطعن في هذه الذاكرة‬            ‫الأقران ُيطوى ولا ُيروى»‪،‬‬            ‫وقد سبق القول إن رسوخ‬
  ‫وتجعلها عرضة للوهم واعتقاد‬              ‫ومعناها أن هؤلاء المحدثين‬               ‫الحديث ليصبح هو الدين‬
                                     ‫أصحاب الكتب التسعة هم أقران‪،‬‬           ‫وإهمال القرآن –عمليًّا‪ -‬ليصبح‬
     ‫أحداث وخيالات لا صلة لها‬         ‫وطعنهم في بعضهم يجب إهماله‬
 ‫بالواقع‪ ،‬والتجربة شهدت تأليف‬         ‫والمنع تما ًما عن تحديثه وإخبار‬
 ‫أحداث وشخصيات وهمية كثيرة‬
‫في التراث دفعت المحدثين لاختراع‬

      ‫ما يسمى «علم الرجال»‪ ،‬أو‬
‫التسليم بأن خبر الآحاد كله ظني‬

   ‫الثبوت‪ ،‬لاعتقادهم بأن الشرط‬
   ‫الوحيد لصدق تواتر الخبر هو‬
  ‫نقله عن جمع غير معلوم العدد‪،‬‬
    ‫ناهيك عن انهيار هذه الذاكرة‬
    ‫بشكل عنيف عند كبار السن‪،‬‬
  ‫والسادة المحدثين ظلوا يعملون‬
‫في هذه المهنة حتى بلوغهم ال َع َجز‪،‬‬
 ‫وبالتالي فاحتمال انهيار ذاكرتهم‬
   ‫وتوهمهم أحداث زائفة كبير لم‬
   110   111   112   113   114   115   116   117   118   119   120