Page 117 - merit 51
P. 117

‫‪115‬‬  ‫تجديد الخطاب‬

   ‫أن تلك الجماعة وهذا التيار‪ ،‬لا‬         ‫الظن وإن هم إلا يخرصون»‬         ‫مشهورة في صحيح البخاري‪،‬‬
  ‫علاقة لهم بالشريعة‪ ،‬وما تطلبه‬         ‫(الأنعام‪ ،)116 :‬و»ما لهم بذلك‬    ‫وبالتالي ‪-‬حسب كلام الرازي‪-‬‬
 ‫وتحرض الناس على اكتسابه هي‬             ‫من علم إن هم إلا يخرصون»‪،‬‬         ‫فرواة البخاري كانوا حشوية‪.‬‬
                                     ‫[(الزخرف‪ ،)20 :‬وأشهر من وقع‬
    ‫أهوائهم الشخصية‪ ،‬وأغلب ما‬            ‫في ذلك الحشو والخرص الآن‬           ‫وأبرز صفة لتلك الجماعة في‬
 ‫أحلُّوه للبشر هو ما ألفوه‪ ،‬وأغلب‬        ‫هو التيار السلفي الذي يحكم‬      ‫ترجيحهم المظنون على المقطوع‪،‬‬
                                       ‫على الناس بمجرد الظنون‪ ،‬حتى‬
      ‫ما حرموه هو ما نفرت منه‬        ‫أنهم يتهمون فلا ًنا بالكفر والبدعة‬     ‫أي يقدمون الظن على اليقين‬
 ‫أنفسهم‪ ،‬ثم ألبسوه ردا ًء مقد ًسا‬     ‫لمجرد الشك‪ ،‬ويأخذون الأحاديث‬        ‫ويصدقون الأخبار والروايات‬
                                     ‫الظنية على أنها صادقة وصحيحة‪،‬‬          ‫الواهمة وينشروها كذ ًبا بين‬
                   ‫ليقبله العامة‪.‬‬     ‫وهذا يفسر عدم أخذهم بالأيسر‬        ‫العوام‪ ،‬لذا سموا بالحشوية أي‬
  ‫ولا يمكن القول إن هذه المشكلة‬         ‫في الأحكام والمعاملات الفقهية‪،‬‬    ‫الذين يحشون الصدق بالكذب‬
   ‫محصورة فقط بالتيار السلفي‪،‬‬                                            ‫دون تحقق ودراية‪ ،‬وفي أمثالهم‬
 ‫بل صارت بفعل عوامل مساعدة‬                 ‫ودائ ًما يعسرون على الناس‬      ‫نزل قوله تعالى «إن يتبعون إلا‬
                                     ‫شؤون حياتهم‪ ،‬فكلما اتبعوا الظن‬
    ‫كالمال والسياسة تيا ًرا شعبيًّا‬
    ‫جار ًفا يؤمن بقدسية الخلافة‬          ‫آمنوا بالمتشابه والمختلف عليه‬
     ‫ودولة الشريعة‪ ،‬رغم نموذج‬          ‫فتشددوا فيما يسره الله عليهم‪،‬‬
     ‫داعش الذي أرهقهم وأحدث‬          ‫وأصبح كل رأي مخالف هو كافر‬
 ‫صدمة كبيرة بالوعي‪ ،‬لكن أحلام‬
  ‫دولة أفلاطون الفاضلة لا زالت‬           ‫في ذاته‪ ،‬رغم أن ما قدموه في‬
‫تداعب خيال الملايين تحت مسمى‬          ‫الأخير مجرد ظن ورأي مرجوح‬
     ‫«الشريعة»‪ ،‬ولولا نشاط هذا‬
    ‫التيار السلفي ووصوله لأوج‬               ‫بأدلة أقوى منه في الغالب‪.‬‬
    ‫قوته في أعقاب ثورات الربيع‬         ‫في أصول الفقه ما يسمى «دليل‬
 ‫العربي ‪ 2011‬لظل وجدان العامة‬
  ‫معل ًقا بالواقع أكثر من الأوهام‪،‬‬       ‫الاستصحاب» ضمن المصالح‬
   ‫حتى بعد تراجع حدة الخطاب‬          ‫المرسلة‪ ،‬ويعني الاستدلال بأصل‬
‫السلفي مؤخ ًرا بعد فشل الإسلام‬
     ‫السياسي في حكم مصر قبل‬            ‫الشيء كصاحب وقاعدة يقينية‬
   ‫‪ 10‬سنوات‪ ،‬لا زال يحدث على‬             ‫لا تزول إلا بدليل أقوى‪ ،‬فإذا‬
     ‫استحياء وبشكل بطيء ج ًّدا‪،‬‬           ‫أرادوا تطبيق دولة إسلامية‬
  ‫وما زلنا نرى أذرع هذا الخطاب‬           ‫شبيهة بدولة طالبان فالشرع‬
 ‫المتشدد في السوشال ميديا بدعم‬
    ‫كبير من شيوخ في مؤسسات‬            ‫يحتم عليهم رفضها لفشل دولة‬
  ‫دينية رسمية‪ ،‬وبرغم أن الدولة‬         ‫طالبان وسوء تطبيقها كأصل‪،‬‬
‫السعودية قررت إنهاء هذا الوضع‬          ‫ولو أرادوا اتهام واحد بالكفر‬
‫والقضاء على الفكر الديني المتشدد‬     ‫فالشرع يثبت إيمان ذلك الواحد‬
    ‫بكل حزم‪ ،‬لكن دو ًل أخرى لا‬        ‫كأصل يقيني لا يزول إلا بدليل‬
    ‫زالت تتخبط وقياداتها تتلمس‬
                                          ‫أقوى‪ /‬صاحب مقطوع به‬
         ‫الطريق لتصحيح المسار‬            ‫لا يساوره الشك‪ ،‬بينما نجد‬

                                          ‫السلفيين لا زالوا يطالبون‬
                                      ‫بدولة طالبان ويسمونها الدولة‬
                                     ‫الإسلامية‪ ،‬ويفحشون في تكفير‬

                                         ‫الناس بالشبهات رغم كثرة‬
                                       ‫القرائن النافية‪ ،‬وهذا يدل على‬
   112   113   114   115   116   117   118   119   120   121   122