Page 34 - merit 51
P. 34

‫العـدد ‪51‬‬                                      ‫‪32‬‬

                                                   ‫مارس ‪٢٠٢3‬‬

‫د‪.‬حسام الدين فياض‬

‫(سوريا)‬

‫ماهية فلسفة التكنولوجيا‪..‬‬

‫(رؤية سوسيولوجية‪ -‬نقدية)‬

‫التكنولوجيا نفسها لم يتضح تأثيرها ومدى خطورتها على الحياة‬
‫المعاصرة‪ ،‬إلا في الآونة الأخيرة مع الاعتماد المتزايد عليها في كل‬
‫مفاصل ومناحي الحياة‪ ،‬كما أنها فرضت تحديات على الفلاسفة وعلماء‬
‫الاجتماع والنفس وجب عليهم التصدي لها للحد من آثارها السلبية على‬
‫الحياة الاجتماعية والثقافية للإنسان المعاصر‪ ،‬بعد أن أضحت القيم‬
‫الإنسانية في المجتمع الحالي ترتسم خطوطها العريضة من خلال فلسفة‬
‫التكنولوجيا وقيمها‪ ،‬بسبب منافسة هذه التقنيات في فاعليها مردودية‬
‫الإنسان‪ ،‬بل إنها أصبح لديها القدرة على تجاوزه في بعض الأحيان‪،‬‬
‫فهناك من يتخوف من سيطرة الذكاء الاصطناعي على الذكاء البشري‪،‬‬
‫حيث بات الإنسان فريسة مشروعة له وبإرادته‪.‬‬

‫ومدى خطورتها على الحياة الاجتماعية المعاصرة لم‬     ‫«قد كان في الإمكان أن تكون قوة التكنولوجيا‪ ،‬قوة‬ ‫إن‬
                        ‫تظهر إلا في وقتنا الحالي‪.‬‬  ‫محررة عن طريق تحويل الأشياء إلى أدوات‪ ،‬ولكنها‬
                                                   ‫أصبحت عقبة في وجه التحرر عن طريق تحويل‬
 ‫تكمن أهمية هذا النص في الإشارة إلى تزايد اتخاذ‬    ‫البشر إلى أدوات»‬
   ‫التكنولوجيا موضو ًعا للنقد وللجدل‪ ،‬وبالأخص‬      ‫(هربرت ماركيوز‪ :‬الإنسان ذو البعد الواحد)(‪)1‬‬
   ‫عند معرفة ما إذا كان الإنسان هو َم ْن استغل‬
                                                               ‫ظهور فلسفة التكنولوجيا‬
       ‫التكنولوجيا محاف ًظا على معاييره وقيمه‬          ‫‪ Technological philosophy‬هو‬
  ‫الاجتماعية‪ ،‬أم التكنولوجيا هي التي استغلت‬
‫الإنسان على حساب قميه وعاداته ومبادئه‪ .‬لكن‬               ‫نتاج التطور السريع الذي عرفه‬
  ‫السؤال الذي يطرح نفسه علينا بنا ًء على ما سبق‪:‬‬      ‫الإنسان منذ عصر الثورة الصناعية إلى عصر‬
                                                   ‫الذكاء الاصطناعي والتقنية‪ ،‬وإن كان هذا لا يعني‬
                    ‫ما هي فلسفة التكنولوجيا؟‬       ‫أنه لم تكن هناك بحوث فلسفية تتعلق بالتكنولوجيا‬
   ‫‪ -‬فلسفة التكنولوجيا‪ ،‬أو فلسفة التقنية‪ :‬هي‬        ‫بصفة عامة‪ .‬إلا أنه يمكن القول إن البحث الفلسفي‬
‫فرع من فروع الفلسفة ظهر منذ نصف قرن تقريبًا‬            ‫التخصصي في مجال التكنولوجيا لم يظهر على‬
    ‫يدرس طبيعة التكنولوجيا وآثارها الاجتماعية‪،‬‬        ‫الساحة الأكاديمية إلا في وقت متأخر من تاريخ‬
‫حيث بدأت النقاشات الفلسفية حول مسائل متعلقة‬        ‫الفلسفة المعاصرة‪ ،‬بمعنى آخر‪ ،‬إن آثار التكنولوجيا‬
  ‫بالتكنولوجيا‪ ،‬أو ما سماه الإغريق باليونانية بـ‪:‬‬

               ‫«تكني»‪ ،‬منذ فجر الفلسفة الغربية‪.‬‬
   29   30   31   32   33   34   35   36   37   38   39