Page 31 - merit 51
P. 31
29 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
وهكذا لم يجد ميلاد في بداية حياته غضاضة في أن لقد حققت زينب ما أرادت ،لم يعتد ميلاد على منظر
يذعن لرغبات زينب بعد أن تمكنت مرا ًرا من الانتصار امرأة تدخن ،ولكنه اقتنع بمنطقها لأنه حتى ذلك
الوقت لم يكن يرى فر ًقا بين شرف المرأة وشرف
لقضاياها ،ولكنه ربما حمل في أعماقه غضبًا تجاهها
لم يكن قد قفز إلى مستوى وعيه حتى ذلك الوقت، الرجل ،وبالتالي فإن التدخين إن لم يكن من شأنه أن
يكشف عن هذا الغضب عنفه تجاهها حين كانا يهدد شرف الرجل ،فليس من شأنه كذلك أن يهدد
يسبحان ويلعبان في البحر «كنت أحيا ًنا ألعب معها شرف المرأة ،وإن أضر بصحتهما .ويكشف عن تلك
ألعا ًبا ثقيلة كهذه ،لأرى ما إذا كنت أحمل بعد أي رغبة القناعة حواره مع العبسي ابن عمه حين كان يطعن في
عنيفة في ذاتي ،أحيا ًنا كنت أمسك في خناقها ،بينما رجولته لأنه يسمح لهنادي ابنة أخته بارتداء البناطيل
تضحك هي وتحاول إبعادي عن قتلها خن ًقا كبطلات
الأفلام ،انتبهت عندما أصبح صياحها أقرب إلى والذهاب إلى الجامعة:
الحقيقة منه إلى اللعب» (ص.)93 « -عائلة وخالها ميلاد؟ ماذا تعني؟
وحين م َّل ميلاد عمله في البيتزاريا تبادل مع زينب -تعني أن الناس يرونك ديو ًثا لا غيرة لديك ،أعرف
أن أختك تسعى بكامل طاقتها لتربية أطفالها وحدها،
الأدوار الأسرية كما يقرها العرف الاجتماعي؛ اعتنى لكن أين سلطتك يا ميلاد؟ أنت الآن في مقام أبيها .أنت
ميلاد بالطبيخ والغسيل والتنظيف ،وانغمست زينب
في عملها ،وتحملت المسؤولية المادية للبيت ،ولم تتقبل رب العائلة.
-ابنة أختي؟ إنها محترمة ،وتسير في الشارع
أم ميلاد ،رغم طيبتها ،عمل زوجته ظنًّا منها أنه
يمنعها من أن تبذل قصارى جهدها في سبيل راحة وعيناها في الأرض.
ميلاد ،في حين قبلت التصور الذي حافظ كل من ميلاد -نعم ،ولكنها ترتدي البناطيل وتذهب إلى الجامعة
وزينب على إيصاله إليها أن ابنها الذي ترك عمله للدراسة في كلية الفنون والإعلام ،إنها كلية مليئة
وتخلى عن مسؤوليته المادية يبقى ممد ًدا على الكنبة بالساقطات ،أخاف عليها من استغلال أبناء الحرام ،ألا
حتى تعود زينب لإطعامه. تخاف عليها أنت أي ًضا؟
وبمرور الوقت وبعد فقدان زينب وميلاد الأمل في -نعم ،لكنني أثق بها ،كما تثق بها أمها.
الإنجاب أصيبت علاقتهما بالفتور ،وأصبحت فريسة وحين أص َّر ميلاد على موقفه في الدفاع عن ابنة أخته
أمعن العبسي في محاولة إقناعه بالعدول عن ذلك
سهلة لكل من أراد أن يهدمها .أصبح العبسي ذا الموقف «يا ميلاد ،افتح لي عقلك قلي ًل ..أرجوك ،نظف
سطوة كبيرة على ميلاد ،وأسلم ميلاد نفسه إليه حظيرتك من التبن ودع غباءك المعتاد جانبًا وركز
ليتخرج في مدرسته حام ًل أفكار العبسي عن الرجولة؛ معي ،نحن عائلة واحدة ،وأي إهانة لفرد من العائلة
وكان قد تل َّقى جانبًا منها في مطلع شبابه ،حين ضرب
أخته أسماء لما علم أنها تتلقى الرسائل من زميلها هي إهانة لاسم العائلة بأكلمله.
في الدراسة ،ولكن كان ذلك في حينه يعد خرو ًجا عن -والكوشة؟ قلت وقد أحمر وجهي.
شخصيته المألوفه ،فكلما تذكر ضربه لأخته أراد أن
يقتل نفسه ،ونجحت محاولاته المستميتة لاستعادة -ما بال الكوشة؟
ثقتها به في رأب الصدع بينهما .وحين انتظم مرة -والدك سرقها مني.»..
أخرى طواعية في مدرسة العبسي تمكن بعد شهر وقد بلورت تلك الجملة التي ألقاها ميلاد ثم انصرف
من أن يعنف هنادي ابنة أخته ويتهم أخواته بأنهن «والدك سرقها مني» تناق ًضا اجتماعيًّا خطي ًرا ،إذ يرى
لا يحترمنه ،فعل ذلك بعد أن أتقن الدرس الأول في في خروج فتاة للجامعة مرتد ًّية بنطا ًل أم ًرا مخج ًل
مدرسة العبسي الذي بدا غير مقتنع به في أعماق ومض ًّرا بشرف العائلة بأسرها ،ولا يرى في سرقة
الحقوق جريمة مخلة بالشرف ،بل إن السارق يهاجم
وعيه ،لأنه تجاهل عدم امتثال هنادي لأوامره الفتاة ،ويحاول بكل الطرق قمعها مدعيًا الحفاظ على
ومداومتها على الجامعة وارتداؤها البناطيل .فما الفضيلة والشرف؛ إذ حاول عمه الذي سرق الكوشة
كان يهمه هو أن يجد في نفسه القدرة على فعل ذلك أن ينهر الفتاة ويمنعها من الخروج ،فطردته أمها من
البيت.