Page 89 - merit 51
P. 89

‫‪87‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫قصــة‬

 ‫يقف ومن يجلس ويزاحم ويمد يده لتناول الطعام‪.‬‬           ‫وينحنى لها الزرع الأخضر‪ .‬وقفت في شرفتي‬
   ‫في المساء قام أخي بإشعال راكية الخشب وعمل‬       ‫لأشاهده وهو يحفر في الأرض وأنا ابتهل بالدعاء‪،‬‬

‫الشاي وشوى الذرة‪ ،‬وزوجة أخي تطهو العصيده‪،‬‬             ‫والمارة يسيرون بسرعة واضعين على رؤسهم‬
       ‫وأختى الصغيرة يحتضنها زوجها ليشعرها‬            ‫أغطية تحميهم منها‪ ،‬والسيارات السريعة ترفع‬
                                                  ‫مياه المطر لتنثره على جانبي الطريق‪ ،‬تلف صغيرتي‬
  ‫بالدفء داخل عباءته الصوفيه الثقيله‪ .‬والوسطى‬         ‫جسدها الشاب بالأغطية الثقيلة وتسألني‪ :‬انتي‬
    ‫تتسامر مع زوجها وضحكاتها تعلو أمام راكية‬        ‫مش بردانه؟! فأستطلعها بنظرة دهشة وأنا ابتهل‬
                                          ‫النار‪.‬‬
  ‫أمي على سريرها‪ ،‬أفسحت لي لآخذ مكاني المعتاد‬                                    ‫في باطني للشتاء‪.‬‬
                 ‫بجوارها من الداخل على السرير‪.‬‬           ‫لكن أصمت‪ ،‬وأفكر في إجابة فلا أجد‪ ،‬خفت‬
   ‫ناولتي زوجة أخي طبق العصيدة الساخنة‪ ،‬وأنا‬        ‫الإفصاح لها بأنني لم أجد الشتاء‪ ،‬حتى لا تعتقد‬

 ‫أتناوله منها أخذته أمي ووضعته بجانبها‪ ،‬وأخذت‬                       ‫أنه اعتلاني ضرب من الجنون!‬
‫يدي الباردة ووضعتها في حجرها لتد ِّفئها كما كانت‬     ‫اليوم ذهبت إلى أمي‪ ،‬بيتنا الذي تربيت وترعرت‬

   ‫تفعل وأنا صغيرة (كانت تأخذ كف َّي الصغيرتان‬         ‫فيه‪ ،‬وجدته مليئًا بالأحفاد‪ ،‬رائحة الطعام تملأ‬
    ‫تارة وقد َّمي تارة أخري وتضعهما بين فخديها‬    ‫جنباته‪ ،‬ترحب أمي بقدومي ويتهلل وجهها‪ ،‬وتقول‬

              ‫الدافئين ليسري الدفء في جسدي)‪.‬‬                                   ‫لي‪ :‬وشك والمحشي‪.‬‬
      ‫أخذت أمي يد َّي ووضعتهما في حجرها تحت‬        ‫نجلس على (الطبلية) التي كم تجمعنا حولها ونحن‬
 ‫الغطاء‪ ،‬سرى إحساس غريب في جسدي‪ ،‬استدعى‬
                                                      ‫صغار‪ ،‬تفسح أمي لي المكان لتجلسني بجوارها‬
                  ‫ذكرياتي‪ ،‬استدعى ليالي الشتاء‪.‬‬     ‫وتناولني الطعام‪ .‬الطبليه مليئة بالخير وبأخواتي‬
                            ‫حينها وجدت الشتاء!‬       ‫والأحفاد‪ ،‬منهم من وجد مكا ًنا عليها‪ ،‬ومنهم من‬
   84   85   86   87   88   89   90   91   92   93   94