Page 133 - merit 54
P. 133

‫‪131‬‬  ‫تجديد الخطاب‬

                ‫‪.)9(1814 -1812‬‬        ‫إجراءات محمد علي‬                       ‫ونفوذها مع السلطة المركزية‬
‫وكانت أصداء هذه الإجراءات بين‬                                            ‫للدولة‪ ،‬كما كانت أراضي الأوقاف‬
                                    ‫ويبدو أنه حدثت حالة من الغضب‬         ‫تقلل من دخل الدولة من الزراعة‪،‬‬
  ‫العلماء والملتزمين خافتة للغاية‪،‬‬       ‫والتذمر الشديد ع َّمت أرجاء‬
 ‫رغم تحرك الجماهير واجتماعهم‬            ‫القاهرة‪ ،‬وربما بعض الأقاليم‬         ‫لأنها كانت معفاة من الضرائب‬
 ‫في الأزهر بعدما «أبطلوا الدروس‬                                          ‫حتى بداية القرن التاسع عشر‪ ،‬في‬
                                        ‫‪-‬في الوجه القبلي أو البحري‪-‬‬
    ‫واتفقوا على كتابة عرض حال‬        ‫عبَّر عنها الجبرتي بلهجة شديدة‬        ‫الوقت الذي كانت فيه تدر عائ ًدا‬
  ‫للباشا»‪ ،‬يتضمن عودة الالتزام‪،‬‬      ‫قائ ًل‪« :‬فضج الناس‪ ..‬وانزعجت‬        ‫ضخ ًما علي المنتفعين بها‪ ،‬ومن ثم‬
 ‫وربما ل ْم ُيثمر هذا العرضحال(‪)10‬‬
 ‫عن أية نتيجة‪ ،‬ورغم ذلك استمر‬          ‫الخلائق»‪ ،‬مما دفع المُتضررين‬         ‫ازدادت أهمية العلماء والمشايخ‬
   ‫تظاهرهم لبضعة أيام‪ ،‬بالقرب‬          ‫إلى التظاهر بقوة‪ ،‬ثم استغاثوا‬        ‫كملاك للأرض وملتزمين؛ بعد‬
   ‫من الأزهر حتى «بردت همتهم‬            ‫بالمشايخ لرفع هذه الضرائب‪،‬‬
                                      ‫وتز َّعم هذه الحركة الشيخ «عبد‬          ‫إعلانه في بداية حكمه لائحة‬
                  ‫وانكمشوا»(‪.)11‬‬        ‫الله الشرقاوى» فقال للباشا‪:‬‬       ‫بإعفاء شيوخ الدين والفقهاء من‬
                                                                           ‫الضرائب الخاصة‪ ،‬التي تتراوح‬
  ‫محاولات محمد علي‬                         ‫«ينبغي أن ترفقوا بالناس‬       ‫بين ربع‪ ،‬وثلث‪ ،‬ونصف الفايض‪،‬‬
‫المتكررة لفرض سيطرته‬                 ‫وترفعوا الظلم»‪ ،‬ولكن محمد علي‬        ‫المفروضة علي الملتزمين من وقت‬

      ‫على الأوقاف‬                       ‫خاطبه بلهجة أشد قائ ًل‪« :‬أنا‬                             ‫لآخر(‪.)1‬‬
                                      ‫لست بظالم لوحدي‪ ،‬وأنتم أظلم‬            ‫كانت الخطوة الأولى في طريق‬
       ‫وفي صيف عام ‪1224‬هـ‪/‬‬             ‫مني‪ ،‬فإني رفعت عن حصتكم‬               ‫إخضاع الأوقاف سنة ‪،1808‬‬
   ‫‪1809‬م‪ ،‬تم فرض ضريبة علي‬                                               ‫عندما تم علي يد محمد علي التغيير‬
                                       ‫الفرض ‪-‬مبلغ مالي‪ -‬والمغارم‬            ‫العظيم الذي أصبح بمقتضاه‬
      ‫الرزق الإحباسية؛ المرصدة‬       ‫إكرا ًما لكم‪ ،‬وأنتم تأخذونها‪ ،‬ولا‬
         ‫(الموقوفة) على المساجد‪،‬‬     ‫بد أني أفحص عن ذلك‪ ،‬وكل من‬                 ‫مال ًكا لجميع أراضي القطر‬
                                                                           ‫المصري إ َّل القليل منها‪ ،‬وهو ما‬
    ‫والأسبلة‪ ،‬والخيرات‪ ،‬وجهات‬          ‫وجدته يأخذ الفرضة المرفوعة‬         ‫يمكن أن نسميه انقلا ًبا في ملكية‬
   ‫البر والصدقات‪ ،‬وكذلك أطيان‬         ‫من فلاحينه‪ ،‬أرفع عنه الحصة‪،‬‬
                                    ‫فقالوا له؛ لك ذلك»(‪ .)6‬وتعتبر هذه‬        ‫الأراضي الزراعية(‪ .)2‬ومن ثم‬
     ‫الأوسية الخاصة بالملتزمين‪،‬‬       ‫الحادثة هي الاحتكاك الأول بين‬       ‫أخذ يفكر في الاستيلاء علي أرض‬
   ‫واستتبع هذه الضريبة فحص‬            ‫محمد علي والمشايخ‪ ،‬وهو حتى‬         ‫الوسية(‪ )3‬والوقف‪ ،‬حتى يستطيع‬
                                     ‫الآن ل ْم يشأ أ ْن يصطدم بالعلماء‪.‬‬  ‫أن يضع أسا ًسا للزراعة ويدخلها‬
     ‫حجج الأوقاف؛ وتقدموا إلى‬         ‫لمركزهم الحيوي وتأثيرهم على‬         ‫تحت نظام جديد ‪-‬حديث‪ -‬يتفق‬
   ‫كل متصرف في شيء من هذه‬                                                 ‫وسياسته في الحكم(‪ .)4‬مما يوفر‬
  ‫الأطيان وواضع يده عليها‪ ،‬بأن‬          ‫قوى الشعب المختلفة(‪ .)7‬ولهم‬
‫يأتي بسنده للديوان ويجدد سنده‬       ‫الفضل الأول والأخير في تنصيبه‬           ‫له عائ ًدا اقتصاد َّيا كبي ًّرا يخدم‬
‫ويقوي بمرسوم جديد‪ ،‬وإن تأخر‬                                                                    ‫مشاريعه‪.‬‬
   ‫عن الحضور في ظرف أربعين‬                         ‫حاك ًما علي البلاد‪.‬‬
 ‫يو ًما يرفع عنه ذلك(‪ ،)12‬ويتعجب‬     ‫بعد حادثة القلعة عام ‪ 1811‬التي‬         ‫ولتحقيق هذه الخطوة فرضت‬
                                    ‫قضت على نفوذ المماليك سياسيًّا‪،‬‬          ‫الحكومة في أغسطس من عام‬
     ‫الجبرتي من هذه الإجراءات‬                                            ‫‪ 1808‬ضرائب‪ ،‬تؤخذ من ملتزمي‬
     ‫وأسبابها إ ْذ يقول‪« :‬وذكروا‬       ‫واقتصاد ًّيا‪ ،‬استولي محمد علي‬       ‫إقليم البحيرة ‪-‬بما فيها أراضي‬
   ‫في مرسوم الأمر ِعلة وحجة ل ْم‬    ‫ع َل جميع ما كان في حوزتهم من‬           ‫الأوقاف‪ -‬ومن عجز عن الدفع‬
  ‫يطرق الأسماع نظيرها‪ ،‬بأنه إذا‬                                           ‫أخذ محمد علي حصص التزامهم‬
     ‫مات السلطان أ ْو عزل‪ ،‬بطلت‬       ‫أطيان الالتزام(‪)8‬؛ وبذلك لم يب َق‬
 ‫تواقيعه ومراسيمه وكذلك نوابه‪،‬‬      ‫من هذه الأراضي في الوجه القبلي‬                  ‫ووزعها علي أتباعه(‪.)5‬‬
     ‫ويحتاج إلى تواقيع من نواب‬
                                        ‫إ َّل النذر اليسير‪ ،‬وسرعان ما‬       ‫موقف الشعب من‬
                                     ‫تم إلغاء نظام الالتزام بين عامي‬
   128   129   130   131   132   133   134   135   136   137   138