Page 134 - merit 54
P. 134

‫العـدد ‪54‬‬                             ‫‪132‬‬

                                      ‫يونيو ‪٢٠٢3‬‬

                         ‫بدونه‪.‬‬          ‫ومن ثم أخذ يعمل على تحسين‬              ‫المتولي الجديد»(‪ ،)13‬وقد واجه‬
‫في حين كان الباشا ُيشهر السيف‬                                ‫زراعتها‪.‬‬       ‫المشايخ هذه الإجراءات بمعارضة‬
 ‫في وجوه المعارضة‪ ،‬عندما كانوا‬
                                        ‫اندلاع الاحتجاجات‬                                        ‫شديدة(‪.)14‬‬
    ‫يجتمعون في الأزهر للوقوف‬            ‫اعترا ًضا على فرض‬                     ‫نتج عن ذلك عدة أمور منها‪ :‬أ َّن‬
‫أمام سياسته قائ ًل لهم‪“ :‬وكأنكم‬        ‫الضرائب على الأوقاف‬                   ‫محمد علي قرر إلغاء وقف الرزق‬
                                                                               ‫التي يعجز أصحاب الشأن عن‬
  ‫تخوفونني بهذا الاجتماع‪ ..‬فأنا‬             ‫لقد أثارت هذه القرارات في‬         ‫تقديم حججها للفحص في خلال‬
 ‫لا أفزع من ذلك‪ ،‬وإن حصل من‬                  ‫العلماء؛ والملتزمين‪ ،‬ونظار‬     ‫أربعين يو ًما‪ ،‬واشترط لصحة هذه‬
  ‫الرعية أمر‪ ،‬فليس لهم عندي إلا‬        ‫الأوقاف‪ ،‬وعامة الشعب‪ ،‬عاصفة‬             ‫الحجج أ ْن يكون جرى التأشير‬
  ‫السيف والانتقام”‪ ،‬وتبين لعمر‬           ‫من الاستياء والسخط الشديد‪،‬‬
‫مكرم أن هذا الحاكم ُمحتال‪ ،‬وإذا‬          ‫فاتفقوا على مقاومتها في شكل‬            ‫عليها من ِقبل الإدارة التركية‬
  ‫تمك ْن فسيصعب إزالته فلنعزله‬          ‫احتجاجات‪ ،‬وتزعم هذه المقاومة‬          ‫التي تلت الحملة الفرنسية‪ ،‬وهو‬
 ‫من الآن‪“ ،‬وحلف السيد عمر أنه‬             ‫“السيد عمر مكرم”‪ ،‬في حين‬             ‫شرط افتقدته غالبية حجج هذا‬
‫لا يطلع ‪-‬إليه‪ -‬ولا يجتمع به‪ ..‬إلا‬           ‫اندهش القاهريون ‪-‬سكان‬             ‫النوع من الرزق(‪ ،)15‬لذلك أسفر‬
                                      ‫القاهرة‪ -‬من ذلك‪ ،‬لأن محمد علي‬         ‫هذا الفحص عن إلغاء وقف جانب‬
   ‫إذا أبطل هذه الاحدوثات”(‪.)25‬‬       ‫ل ْم يأخذ رأي وموافقة المشايخ(‪،)20‬‬       ‫كبير منها‪ ،‬وضمها إلى الأطيان‬
                                        ‫واعتقدوا أن بمقدورهم الإطاحة‬           ‫الخراجية(‪)16‬؛ مع إلزامهم بأداء‬
  ‫احتدام الصدام بين‬                     ‫بمحمد على(‪ .)21‬بعد أن “جلسوا‬
   ‫السلطة والزعامة‬                    ‫مجل ًسا خا ًّصا وتعاهدوا وتعاقدوا‬                          ‫الخراج(‪.)17‬‬
                                        ‫على الاتحاد وترك المنافرة”(‪،)22‬‬           ‫وبالنسبة للرزق ‪-‬الأراضي‬
       ‫الشعبية‬                             ‫ويعد هذا أول اجتماع قام به‬        ‫الموقوفة‪ -‬التي ثبت صحة وقفها‬
                                           ‫العلماء لمواجهة تغ ُّول الدولة‬     ‫فإنه فرض عليها الخراج‪ ،‬وألزم‬
‫وحلَّت الأزمة؛ عندما رفض السيد‬           ‫وفرض سياستها وخاصة على‬              ‫حائزيها بأدائه‪ ،‬ومنح المستحقين‬
  ‫عمر مكرم التصديق على خطاب‬                                                     ‫من ريعها فائض رزقه يعادل‬
    ‫أراد محمد علي أن يرسله إلى‬                               ‫الأوقاف‪.‬‬           ‫نصف إيجارها‪ ،‬تمنح لهم من‬
 ‫الباب العالي(‪ ،)26‬بخصوص إنفاق‬        ‫وبالرغم من أ َّن موقف عمر مكرم‬             ‫ديوان الروزنامجة وأعطاهم‬
  ‫أربعة آلاف كيس‪ ،‬وأعاد السيد‬                                                    ‫حج ًجا جديدة ُمثبتة بد ًل من‬
   ‫عمر الخطاب مصحو ًبا بتعليق‬             ‫كان صلبًا‪ ،‬ولا يقبل بأنصاف‬
    ‫يقول فيه‪ :‬إنه لا يقبل التوقيع‬            ‫الحلول‪ ،‬وهو على علم بأ َّن‬                          ‫القديمة(‪.)18‬‬
  ‫عليه لأن بيان الحسابات زائف‬                                                   ‫ويصف الجبرتي حالة الفلاح‬
   ‫تما ًما‪ ،‬وقال أي ًضا‪ :‬إنه لا يمكن‬      ‫الضريبة سوف تستمر إن ل ْم‬              ‫الذي يعمل في أراضي الرزق‬
                                       ‫يكن هناك معارضة شديدة‪ ،‬ومع‬               ‫قائ ًل‪« :‬فالمزارع من الفلاحين‬
‫على الإطلاق وضع أ ْي بيان دقيق‬          ‫ذلك رفض مساومات محمد علي‬               ‫إذا كانت تحت يده تآجر رزقه‬
‫عن المبالغ التي انتزعها محمد علي‬       ‫المتكررة(‪ ،)23‬فقد استطاع الأخير‬          ‫أ ْو رزقتين فإنه يكون مغتب ًطا‬
                                      ‫أ ْن ُيحدث ِشقا ًقا بين هذه الزعامة‪،‬‬
  ‫من شعب مصر(‪ .)27‬في حين أ َّن‬                                                      ‫ومحسو ًدا من أهل بلده‪..‬‬
  ‫بقية العلماء قد َص َّدقوا على هذا‬        ‫وبدا ذلك بوضوح علي لسان‬               ‫والواضعون أيديهم عليها لا‬
 ‫الخطاب‪ ،‬وكان ذلك بمثابة اتهام‬            ‫“الشيخ المهدي” الذي (خان)‬           ‫يدفعون لجهاتها ولا لمستحقيها‪،‬‬
‫في ذمته‪ ،‬وخدش لكبريائه‪ ،‬وإهانة‬          ‫صديقه عمر مكرم قائ ًل للباشا‪:‬‬       ‫إ َّل ما هو مرتب ومقرر من الزمن‬
   ‫لشخصه ‪-‬محمد علي‪ -‬ويبدو‬             ‫“هو ليس إ َّل بنا وإذا خلا عنا فلا‬       ‫الأول السابق‪ ،‬وهو شيء قليل‬
 ‫أن رأي الجبرتي كان يوافق رأي‬         ‫يسوي شيئًا”(‪ .)24‬وفي الحقيقة أ َّن‬    ‫وليتهم لو دفعوه»(‪ .)19‬لذلك سعى‬
 ‫عمر مكرم؛ يفهم ذلك من تعليقه‬           ‫هؤلاء المشايخ لا يس ُّوون شيء‬          ‫محمد علي إلى إعادة تنظيم هذه‬
‫على هذه الحادثة‪ ،‬فيذكر أن محمد‬                                              ‫الأراضي وفرض الضرائب عليها‪،‬‬
   ‫علي لو «وجد من يحاسبه علي‬
   129   130   131   132   133   134   135   136   137   138   139